قوله تعالى:(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ)(الحشر: ١٣)، ثم قال بعد:(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)(الحشر: ١٤)، (فيسأل عن اختصاص كل آية بما أعقبت به من قوله في الأولي: (لا يفقهون) وفي الثانية: (لا يعقلون)؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن الله تعالى لما أخبر عن يهود والمنافقين بسوء أحوالهم وأن الرعب قد سكن قلوبهم حتى كأن خوفهم من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أشد من خوفهم من الله، قال تعالى " لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله " فناسب هذا نفي فهمهم وانسلاخهم عن النظر والتدبر والتوفيق، فقال تعالى " " ذلك بأنهم قوم لا يفقهون"، ثم اتبع ذلك بالتعريف بشدة بأسهم بينهم وشتات أحوالهم فقال تعالى " (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى"، فناسب هذا ما يفهم عدم الثبوت على شئ والرجوع إلى قانون يقفون عنده ويرتبطون إليه فقال تعالى: " ذلك بأنهم قوم لا يعقلون "، والعقل هو علوم ضرورية يوقف عند مقضاه ويحكم بما أمضاه ولا يتعدى، ويحصل من ذلك الثبوت، واشتقاقه من قولهم: عقلت البعير إذا ربطته بعقال، وهو الحبل وشبهه مما يتقيد به. ولما نفي عنهم الارتباط مع صفهم بشتات القلوب وجوداً فقال:(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)(الحشر: ١٤)، أخبر تعالى أن سبب ذلك " أنهم لا يعقلون، وتناسب هذا أبين شئ، ولا يناسب الأولى قبلها إلا ما أعقبت به، والله أعلم.