الآية الرابعة من سورة العنكبوت - قوله تعالى:(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ * وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)(العنكبوت: ٤٧ - ٤٩)، للسائل أن يسأل عن وسم الجاحدين أولاً بالكافرين ثم وسموا بعد بالظالمين، والظلم يصح إطلاقه على ما دون الكفر، فقد يسبق إلى الوهم أنه لو ورد وسمهم أولاً بالظلم ثم ثانياً بالكفر لكان أنسب؟
والجواب: أن الظلم وإن كان يطلق على الكفر وعلى ما دونه قال تعالى: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: ٢٥٤)، فإنه إذا ذكر بعد الكفر ووصف به من قد وصف بالكفر أفهم زيادة مرتكب على الكفر، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ ... ) (النساء: ١٦٨ - ١٦٩)، وعلى هذا ورد في القرآن وقد تقدم ذلك. فقد وضح ما وردت عليه آيتا العنكبوت، وليس من المشكل.
الآية الخامسة من سورة العنكبوت - قوله تعالى:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)(العنكبوت: ٦١)، وفي سورة لقمان:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)(لقمان: ٢٥)، وفي سورة الزخرف:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)(الزخرف: ٩)، وتواردت هذه الآي الثلاث على معنى واحد وهو تقريرهم على ما كانوا يعترفون به من انفراده سبحانه بخلق السماوات والأرض واعترافهم بذلك إن سئلوا، ثم اتبع ذلك في سورة العنكبوت بقوله:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)(العنكبوت: ٦٣)، فأعلم تعالى أنهم لو سئلوا أيضاً عن هذا لاعترفوا، ثم اختلف ما أعقبت به هذه الآي من وصفهم حيث وصفوا فيها بعد فرض سؤالهم واعترافهم، فأعقب الأولى بقوله:(فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وآية لقمان بقوله:(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، وآية العنكبوت الثانية بقوله:(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)، ولم يرد في آية الزخرف إتباع بوصف، فللسائل أن يسأل عن اتاد مقصود هذه الآي أو تفصيله؟ وعن وجه اختلاف الدليل فيما ورد في التعقيب به في هذه الآي؟
والجواب عن الأول: أن المقصود فيها ليس واحداً، أما الثلاث آيت الأول فالمراد