كفرهم فقال:"زين لهم سزء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين " فوسموا أولا بالكفر فقيل: "يضل به الذين كفروا " إذ لم يكن تقدم لهم إيمان ثم خرجوا عنه بل كانت حالهم التمادى على كفرهم الذى لم يتقدمه إيمان ولما ذكر بعض ما حملهم عليه كفرهم وأنه من سوء أعمالهم ومما زينه الشيطان لهم قال تعالى: "ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين " الآيات فوصفوا بالتظاهر بالاسلام ثم خرجوا عنه بشنيع كفرهم وقبيح مرتكباتهم ووصفهم تعالى بأنهم "يلمزون المطوعين من المؤمنين " ومن لا يجد إلا جهده إلى قوله: "ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله " ثم قال: "والله لا يهدى القوم الفاسقين " فلخروجهم ومفارقتهم ما قد كانوا تظاهروا به من الإسلام وصفوا بالفسق الذى هو الخروج والمفارقة من قولهم فسق الرطبة إذا خرجت من قشرها قال تعالى: "إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " فقد وضح فى كل آية من هذه أن ما انجر فيها من وسم من أريد بها وجرى ذكره قبلها يقتضى ورود ذلك الوصف على ما ورد عليه وأنه لا يلائم كل آية منها إلا ما أعقبت به والله أعلم.
الآية الثالثة قوله تعالى:" يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون " وفى سورة الصف: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " ومعنى الآيتين فى السورتين واحد وقد زادت آية براءة على آية الصف عشرة أحرف صورا فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عنه والله أعلم: أن زيادة آية براءة مقابل بها ما ورد من الطول فى المحكى فى هذه السورة من قول الطائفتين من اليهود والنصارى قال تعالى حاكيا عنهم: "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله " فوقع فى المحكى هنا طول اقتضى ما بنى جوابا عليه ليتناسب.
وأما آية الصف فمقابل بها قول عيسى عليه السلام لما قال لهم:"يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد " ثم قال تعالى: "فلما جاءهم البينات قالوا هذا سحر مبين " وإنما الجواب على المحكى من قولهم خاصة وهو قولهم: "هذا سحر مبين " وليس هذا فى الطول وعدة الكلم المحكى فى سورة براءة ألا ترى أن الواقع فى سورة براءة ست كلمات وفى الصف ثلاث كلمات ثم إن الواقع فى سورة براءة مقال طائفتين منهم اليهود