والنصارى مفصحا به والواقع فى الصف مقالة طائفة واحدة وهذا مراعى فقد وضح ورود كل من الآيتين مناسبا لما اتصل به وعلى ما يجب فى السورتين والله أعلم بما أراد.
الآية الرابعة: قوله تعالى: " والله يعلم إنهم لكاذبون " وفيما بعد من هذه السورة: "والله يشهد إنهم لكاذبون " وكذا فى سورتى الحشر والنافقين فورد فى الأولى: "يعلم " وفى البواقى "يشهد " مع أن المقصود فى الأربع آيات واحد وهو أنه سبحانه عليم بما يخفونه أو يظهرونه من أعمالهم فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب والله أعلم: أن الاستطاعة وعدمها حكم لا يطلع عليه فى الغالب بل ينفرد كل بحاله فى ذلك إلا أن يعلم ذلك بقرينة فقول المنافقين فى إخبار الله تعالى عنهم: "لو استطعنا لخرجنا معكم " غير مشاهد من ظاهرهم فقد كان يمكن صدقهم أو صدق بعضهم لولا أنه سبحانه أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بحالهم وما يكون من اعتذارهم قبل أن يقع منهم وبتقاسعهم عن الخروج فقال تعالى: "لو كان عرضا قريبا قاصدا لأتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم " فأعلم تعالى بما يكون منهم قبل أن يكون وذلك غيب وأعلم بوجه تقاسعهم وتثبطهم ثم أعلم بكذبهم فقال: "والله يعلم إنهم لكاذبون " فحصل العلم بحالهم بإخباره تعالى ثم تكاثرت الشواهد عنهم.
فلما كان حال الاستطاعة على ما ذكرنا من الخفاء حتى لا يطلع عليها ناسب ذلك التعريف عن اطلاعه تعالى على ما أخفوه من حالهم بالعلم فقال سبحانه:"والله يعلم إنهم لكاذبون "ولا يناسب غيره.
أما الآية الثانية فهى فى أهل مسجد الضرار وأمرهم مما قد كانوا تواطئوا عليه ولم يخف حال بعضهم عن بعض وذلك بخلاف حال الاستطاعة وما يمكن فيها من الخفاء فكان هذا مما يرجع إلى حكم الظهور والشهادة فكان ورود قوله تعالى هنا:"والله يشهد " أنسب وكذا الحكم فى آية الحشر لبنائها على قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم " إلى آخر الآية وكل هذا قول مشاهد معلوم مدرك بحاسة السمع وما وعدوا به إخوانهم من نصرتهم والخروج معهم أن خرجوا كل