ذلك مما كنا يشاهد لو وقع وليس شئ من ذلك كالاستطاعة فى خفائها وغيابها فناسب هذا قوله تعالى:" والله يشهد إنهم لكاذبون " الوارد فى سورة المنافقين لأن قولهم: "نشهد إنك لرسول الله " قول مدرك بالسمع مع أن هذه الآية قولهم نشهد فطابق هذا وناسبه قوله: "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " وجاء كل من هذه الآى على ما يجب ويناسب والله أعلم.
الآية الخامسة قوله تعالى:" وما منعهم أن تقبل منهم نفاقتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون " وفيما بعد من هذه السورة: "ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدى القوم الفاسقين " وبعد هذه الآية: "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون " للسائل أن يسأل عن زيادة الباء فى قوله "وبرسوله " ولم تزد فى الآيتين بعد والظاهر من بعد ما يسأل فيه لأنها مقاصد مختلفة؟
والجواب: أنك إذا قلت مثلا المانع من تقريب زيد نفاقه فإنك لم تزد على أن أخبرت عن علة منع تقريب زيد شيئا فإذا قلت أن المانع من تقريب زيد نفاقه فقد زدت على الاخبار بالمانع من تقريب زيد أنه نفاقه وإن قلت إنما المانع من تقريب زيد نفاقه فقد حصرت المانع من التقريب فى النفاق وأكدت ذلك تأكيدا أكثر من الحاصل بإن ولذا اتفق الأصوليون على قوم المفهوم الحاصل من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق " ولم يتفقوا فى المفهوم الحاصل من قوله عليه الصلاة والسلام: "فى سائمة الغنم بالزكاة " وذلك بسبب ما تقتضيه إنما من معنى الحصر وقد جرده بعضهم عن المفهومات وجعله دليلا برأسه لقوته وأبى أن يجعل هذا من دليل الخطاب وفى معنى قوله: "إنما الولاء لمن أعتق " وفى قوم قولك: "ما الولاء إلا لمن أعتق " فإن معناه حصر الولاء فى المعتق وأنه لا ولاء لغيره ومن هذا قوله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " أى ما يخشاه تعالى حق الخشية إلا العلماء وقال تعالى: "إن هو إلا وحى يوحى " فنزه سبحانه نطق نبيه عن أن يكون غير وحى وليس قولك فى الكلام: هو وحى فى قوة قولك: إنه وحى يوحى لما زدت من التأكيد بإن ولا قولك: إنه يوحى فى قوة الاخبار القرآنى من قوله تعالى: " إن هو إلا وحى يوحى " لما بين قبل.
فإذا وضح هذا فقوله تعالى: " وما منعهم أن تقبل منهم نفاقتهم إلا أنهم كفروا