أهل الجنة فيشرئبون، وينادي يا أهل النار كذلك، ويؤتى بالموت فيقال لهذا هل تعرفونه فيقولون نعم ... الحديث، إلى قوله فيه: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل الناء خلود لا موت، فإذا ذلك تعظم حسرتهم ويشتد كربهم، ونص الحديث على ما رُويناه في صحيح مسلم عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، زاد أبو كريب فيوقف بين الجنة والنار، واتفقنا في سياقي الحديث فقيل: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(مريم: ٣٩)، وأشار إلى الدنيا.
قلت وهذا الحديث من مشكلات الأحاديث، وله وجه من التأويل يرفع إشكاله، وقد تفسرت مظنة الحسرة في قوله تعالى:(إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) والمراد به استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار كما ورد في الخبر، وحق لمن تقدم ذكره قبل هذه الآية ممن وقع في العظيمة من أمر عيسى، عليه السلام، حين قالوا: ابن الله مع إقرارهم بالبعث الأخراوي والجزاء، فحق لهم أن يذكروا تحذيراً وتخويفاً بمثل هذا، ولم يتقدم الآية ذكر غيرهم، فهذا أوض تناسب.
وأما آية سورة المؤمن فقد ورد قبلها قوله تعالى خطاباً للمؤمنين:(فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(غافر: ١٤)، ثم تابع الكلام معه إلى الآية من قوله:(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ)(غافر: ١٨)، فخوفوا بإسراع أمر الساعة وتعجيل وقوعها كما قال سبحانه (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)(الأنبياء: ١)، أزف الشيء أسرع ومنه قوله تعالى:(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ)(النجم: ٥٧ - ٥٨)، وتأمل ما اتصل بقوله:(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ)(غافر: ١٨)، وقوله:(إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ)(غافر: ١٨)، فقد تناسب هذا ووضح، أما ما ورد في الآيتين فهو على أتم مناسبة، وإن عكس (الوارد) على ما يبنا لا يلائم، والله أعلم.