للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرقه، ولا شك أن الظهور أيسر من النقب، والنقب أشد عليهم وأثقل، فجيء بالفعل مخففاً مع الأخف، وجيء به تاماً مستوفى مع الأثقل، فتناسب، ولو قدر بالعكس لما تناسب. وأيضاً فإن الثاني في محل التأكيد لنفي قدرتهم على الاستيلاء على السد وتمكنهم منه، فناسب ذلك الإطالة، وهذا يفتقر إلى بسط وبيان، مع أن الأول أولى، فلنكتف بهذا، والله سبحانه أعلم بما أراد.

الآية السابعة: غ - قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (الكهف: ١١٠) وفي سورة الآنبياء: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (الأنبياء: ١٠٨)، فلم يقع في هذه الثانية لفظ (أَنَا بَشَرٌ) وورد في الأولى، فللسائل أن يسأل عن ذلك؟

والجواب عن ذلك: أنه لما تقدم في أول سورة الأنبياء إثبات كون الرسل، عليهم السلام، من البشر، فيما حكاه تعالى من قول الكفار بعضهم لبعض: (هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (الأنبياء: ٣)، ثم قال تعالى راداً لقولهم، مثبتاً كون الرسل من البشر: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) (الأنبياء: ٧)، ثم تتابع في السورة ذكر الرسل من البشر) في عدة مواضع إفصاحاً وإشارة آخرها قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: ١٠٧) والخطاب لنبينا، عليه السلام، قال تعالى بعد ذلك: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (الأنبياء: ١٠٨، فلم يحتج هنا أن يذكر كونه، عليه السلام، من البشر، إذ قد توالى ذكر ذلك جملة وتفصيلا.

أما سورة الكهف فلم يتقدم فيها مثل هذا، فكان مظنة الإعلام بكونه صلى الله عليه وسلم من البشر إرغاماً لأعدائه، ولما في ذلك من تلطفه تعالى بالحق ورحمته إياهم، قال تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (الأنعام: ٩)، وقال تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (الأنعام: ٨)، فكون الرسل من البشر من أعظم إنعامه سبحانه على الخلق، وخصت آية الكهف بذكر بشريته، عليه السلام، لما بيناه، وورد كل ذلك على ما يناسب، ولم يكن عكس الوارد ليناسب، والله أعلم بما أراد.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>