قوله تعالى:(إِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (القيامة٧ - ٩) يسأل عن إعادة القمر في الفاصلتين؟
والجواب عنه أن ذلك لبيان أهوال القيامة وتعظيمها، والعرب تستعمل هذا فيما تقصد به التهويل والتعظيم، ومنه لا أري الموت يسبق الموت شئ نغص الموت ذا الغنى والفقير فكررت المو ثلاث مرات تعظيماً لأمره، كما قال تعال (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (ص٦٧ - ٦٨) وقد اجتمع في آية القيامة قصد التعظيم ورعي الأسجاع فتأكد الحامل على التكرير، وإذا تكرر احد النيرين المراد اجتماعهما أغنى ن تكرر الآخر، وطلبت الفواصل منها ما يناسب فجاء على أتم وجه في البلاغة، والله أعلم.
الآية الثانية قوله تعالى:(أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) (القيامة: ٣٤ - ٣٥) يسأل عن إعادة اللفظ وفائدة ذلك؟ ويستجر من ذلك استدعاء اشتقاق اللفظ ومعناه.
والجواب عن ذلك: والله أعلم: أنه لما تقدم وصف المجرم المكذب بقوله: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (٣١) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) (القيامة: ٣١ - ٣٣) - أي يختال في مشيته ويتبختر عضداً لتكذيبه وإغناء بكفره - كان مظنة للتعريف بسوء عاقبته واستحقاقه العذاب فقيل:
(أولى لك فأولى)، فعدل بالكلام عن إخبار الغيبة إلى الخطاب تحكيماً لاستحقاقه نيل الجزاء على فعله، وهو كلام يقال لمستوجب الامتحان، جار مجرى الدعاء
وقد جعله بعضهم مقلوباً من قولك: ويل، فهو على هذا من الدعاء بالويل، وكأن قد قيل للمخاطب به أعظم الويل وأشده له، ويستجر التعجب الجاري من الدعاء، وكأن قد قيل في هذه الآية: الويل له ثم أشد الويل له، فأكد بتكرير اللفظ إشعاراً بالأهلية والاستحقاق كما قالوا: ويلا له ويلا ويلا. وعطف بثم المقتضية رتبة في المعطوف بها وضرب تهمم واعتناء ليكون الدعاء ثانياً للمولي به تأكيداً أبلغ من الأول، وذلك من معنى "ثم" وهو هنا قائم مقام مهلة الزمان ليبلغ عندها (معه) الغاية فيما قصد منه.