موصوفها كشيء واحد وإن كان الوصف بموصول، والموصول يطول بصلته، إلا أن طوله بصلته لا يزيله عن تقديره باسم واحد، فمن حيث جعلت الصفة مع موصوفها كشيء واحد للحاجة إليها، وكونها مفردة، قرنت بموصوفها وتأخر المجرور، فقال تعالى:(فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)(المؤمنون: ٢٤)، وحيث لم يقع الاكتفاء بصفة واحدة وزيد عليها، ولا يمكن جعل صفتين فما زاد مع موصوفها كشيء واحد، قدم المجرور، فقال تعالى:(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(المؤمنون: ٣٣)، فوقع المجرور في كل من الآيتين على ما يجب، وعطفت الصفات بعضها على بعض لورودها غير صفة.
والجواب عن السؤال الثاني: أن وجه الزيادة على الوصف بالكفر في قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(المؤمنون: ٣٣)، (أنها) منبئة بأن المذكورين في القصة الثانية ليسوا في شمول الكفر إياهم واستيلائه على معظمهم كقوم نوح، عليه السلام، بل الإيمان في هؤلاء أفشى وأكثر، قال تعالى:(وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا)(هود: ٥٨)، ولم يقع هنا وصف من آمن من قوم هود بقلة ولا بكثرة، فبقى الاحتمال في الطرفين على حد سواء، إلا أنه ورد في وصف الملأ المكذبين من قوم هو في هذه السورة، ممن أفصح بالرد والتكذيب وصد الناس عن اتباعه، ما يشعر بأنهم ليسوا أكثر قومه، وذلك لما وصفهم به بعد الكفر من التكذيب والإتراف وهو التععم والترفيه، والعقل شاهد أن المترفين ليسوا جميعهم، أما الكفر فلا يبعد اتصاف أمة بأسرها به، ويبعد اتصاف جميعهم بالامتداد في التنعم والترفه، بل ذلك يمتنع به أن يتصف به الأكثر، فأشعر وصفهم بما ذكر بعد كفرهم بكثرة ما ذكر فيمن عداهم بخلاف الحال في قوم نوح، وأشعر أيضاً بامتدادهم وتمكنهم في دنياهم أكثر من غيرهم، قال تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) (الفجر: ٦ - ٨)، فأشعرت زيادة الوصف بتوسع الحال وامتداد الآماد، فلم يكن بد من وصفهم بما ذكر.
الآية الثالثة من سورة المؤمنون - قوله تعالى:(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(المؤمنون: ٤١)، ثم قال تعالى عند ذكر القرون:(فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)(المؤمنون: ٤٤)، فقال في الأولى:(فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(المؤمنون: ٤١)، ثم قال في الثانية:(فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)(المؤمنون: ٤٤)، للسائل أن يسأل عن الفرق؟