للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) (يس: ٤٠)، والنجوم للاهتداء في ظلمات البراري والبحار، وجهات الاعتبار بهذه الخمس يفوت الإحصاء، فللإشارة إلأى هذه المتعددات جمع فقيل: ((لآيات)).

والجواب الثاني، وهو وصف المعتبرين في الآية الأولى بالتفكير وفي الثانية بالعقل وفي الثالثة بالتذكير: أن إنبات الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومختلف الثمرات بالماء المنزل من السماء مع كونه واحداً والمنبت مختلف الأنواع والطعوم والمنافع أمر يوصل إلى تعرفه وارتباطه باستعمال الفكر في ذلك وإن لم يطل، بشرط السلامة من الغفلة، فيحصل بمجرد الفكر على عظيم المعتبر. وأما تسخير الليل والنهار إلى ما ذكر معهما فلا يكتفي في (معرفة) ذلك والحصول على الاعتبار به بمجرد الفكر، فإن العلم بتسخير هذه مما يغمض ويخفى إلا على ذوي البصائر والفطن السليمة والعقول الراجحة، فلم يقنع التفكر هنا بل وصف المعتبر بها بما هو فوق الفكر، وتأصل ما تعقب به موضوع الاعتبار في قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) (البقرة: ١٦٤)، إلى قوله: (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: ١٦٤)، لما كان في الاعتبار بما انطوت عليه الآية غموض وخفاء قيل: (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، وأما الآية الثالثة وهي قوله: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) (النحل: ١٣) ببدأة الفكر السالم، فقصد التذكير كاف في حصول الاعتبار بذلك. فإذا تأملت ما ذكرناه ألفيت ذلك كله وارداً على أجل مناسبة، وعملت أن كل آية من هذه الثلاث لا يناسبها إلا ما أعقب به.

الآية الثانية من سورة النحل قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: ١٤)، وقال في سورة الملائكة: (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (فاطر: ١٢).

وفي هذه الآية ثلاث سؤالات: الأول: لم أخر المجرور وفي سورة النحل فقيل: (مَوَاخِرَ فِيهِ) وقدم في السورة الأخرى فقيل: (فِيهِ مَوَاخِرَ)؟ والثاني: زيادة الواو في قوله: (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) في سورة النحل وسقوطها في سورة الملائكة؟، والثالث: زيادة ((منه)) في سورة النحل في قوله: (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) وسقوط ذلك في سورة الملائكة)؟

<<  <  ج: ص:  >  >>