للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آيتي صالح وهود ورد فيهما ما يقتضي معناه أن يربط بالفاء المقتضية التعقيب، أما قصة صالح منهما فتقدمها قوله تعالى: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) (هود: ٦٥)، فكأن قد قيل: فلما انقضت، فالموضوع للفاء لمقصود التعقيب. ومثل هذا من غير فرق قوله تعالى في قصة لوط عليه السلام: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) (هود: ٨١)، ولا شك أن المعنى يستدعي تقدير فلما أصبح تحقيقا لصدق الوعيد، وإعقاباً لا يتحصل بغير الفاء، فهذا يوجب خصوص الفاء بهذين الموضعين. وأما قصة هود عليه السلام، فلم يرد فيها ما يستدعي تعقيباً، بل قبلها ما يقتضي أن ينسق ما بعده عليه بواو العطف، وذلك قوله تعالى مخبراً عن قوم هود: (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا) (هود: ٥٧)، ثم قال: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا) (هود: ٥٨)، فعطف هذه الجمل بعضها على بعض بما يعطي ذلك، ويناسب العطف بالواو، وعلى هذا وردت آية شعيب عليه السلام، فورد قبلها: (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ) (هود: ٩٣) ثم بعد ذلك: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) (هود: ٩٣)، وليس هذا ما يقتضي تعقيباًَ بل بابه حمل الآي بعضها على بعض بحرف التشريك، فجاء كل على ما يناسب، والله أعلم بما أراد.

الآية السابعة قوله تعالى في قصة هود: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً) (هود: ٦٠)، وفي قصة موسى بعد من هذه السورة: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً) (هود: ٩٩) فجمع في قصة هود بين اسم الإشارة ولفظ الدنيا الجاري عليه وصفا، وأكتفي في قصة موسي باسم الإشارة دون التابع، فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟ وهل كان يجوز عكس الوارد؟

والجواب عن ذلك: أن الوارد عليه كلا من الآيتين لا يحسن خلافه ولا يناسب، وذلك لوجهين: أحدهما أن قصة هود، عليه السلام، في هذه السورة أكثر استيفاء من قصة موسي عليه السلام، بكثير فناسب الطول الطول والإيجاز الإيجاز، ولا يليق العكس. والوجه الثاني أن قوله تعالى في قصة هود: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً) (هود: ٦٠)، وارد على الأصل من الجمع بين التابع نعتاً أو عطف بيان وبين متبوعه، وجاء في قصة موسى عليه السلام: ((وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً) على حذف الوصف للإكتفاء باسم الإشارة، وكل فصيح، فجيء بما هو في الأصل أولاً، ثم جيء ثانياً بما هو ثان عنه على ما ينبغي، ولا يحسن العكس لأن ذلك شبه التفسير وبابه أن يتقدم، فما يحذف يكون لما تقدم من ما يدل عليه ويحذف لما سيأتي بعد إلا في قليل نحو قوله: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض، والرأي مختلف، وهذا الوجه كاف. والوجه الأول أنسب لراعي النظم، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>