الناس " ثم قوله تعالى: "الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا " فلما تقدم ذكر الخلق الأعظم ولم يتقدم هنا ما تقدم فى آية الأنعام ما أتبع بالتنبيه على أنه سبحانه خالق كل شئ فكان تقديم هذا التعريف هنا أنسب وأهم، ثم أعقب بالتعريف بوحدانيته تعالى فجاء كل على ما يجب ويناسب ولم تكن واحدة من الآيتين لتناسب ما تقدم الأخرى والله سبحانه أعلم.
الآية الحادية والعشرون
قوله تعالى: "ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون "، وورد بعد هذا: "ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون "، للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف الاسمين فى قوله "ولو شاء ربك "، و"ولو شاء الله "؟
والجواب عن ذلك والله أعلم: أنه لما تقدم الآية الأولى قوله تعالى: "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله "، فعرف سبحانه نبيه، عليه السلام بما سبق لهؤلاء وما قدره عليهم فى الأزل حتى لا يجدى عليهم شئ ولا ينفعهم تذكار فلما تقدم من القدر على هؤلاء ما يثير أشد الخوف كان مظنة إشفاق فأنس نبيه صلى الله عليه وسلم ولاطفه بإضافة اسم ربوبيته سبحانه لنبيه عليه السلام، مخاطبا له فقال: "ولو شاء ربك ما فعلوه " فسكن جأشه وتلطف فى تأنيسه، عليه السلام وتأنيس أمته بأنسه، ولما لم يقع قبل الآية بعد مثل هذا وإنما قبلها: "وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم ولو شاء الله ما فعلوه " وليس هذا فى اقتضاء الحتم عليهم المؤذن بقطع الرجاء منهم كقوله فى الأولى: "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ... "الآية، فلذلك قال عقب هذه الآية الثانية: "ولو شاء الله ما فعلوه " فجاء باسمه الأعظم تعالى من غير إضافة إذ ليس هذا مثل الأول، ولو ورد الاسم الأعظم أولا والاسم الكريم المضاف ثانيا لما ناسب على ما تمهد، والله سبحانه أعلم.
الآية الثانية والعشرون قوله تعالى: "إن ربك هم أعلم من يضل عن سبيله وهو أعمل بالمهتدين " وفى سورة النجم: قوله تعالى: "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " بزيادة الباء فى "من " من قوله: "بمن ضل عن سبيله " وكذا فى سورة القلم بخلاف الأخريين