للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية الخامسة: غ - قوله تعالى: (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) (الحجر: ٥٣)، وكذا في سورة الذاريات: (قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) (الذاريات: ٢٨)، وورد في سورة الصافات: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) (الصافات: ١٠١) خلاف الوصف بالعلم في السورتين.

ووجه ذلك، والله أعلم: أن آية والصافات لما وردت كالتمهيد لما تلاها متصلاً بها من قوله: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) (الصافات: ١٠٢)، فتلقى الذبيح، وعليه السلام، ما أخبره (به)، أبوه - لعلمه أنه من أمر الله - بالرضى والصبر. قال ابن عطية في تفسير حليم: صابر محتمل عظيم العقل، قال: والحلم العقل، فأحسن، عليه السلام، جوب أبيه معزياً له محتسباً بنفسه، فناسب هذا الموضع وورد وصف الذبيح بالحلم. ولما لم يرد في الآيتين الأخريين ذكر الأمر بالذبح ناسبها الوصف بالعلم، وهو صفة الأنبياء، فورد كل على ما يجب ويناسب، والله أعلم.

الآية السادسة من سورة الحجر قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر: ٧٥ - ٧٧)، فيها سؤالان: جمع آيات في الأولى وإفراد ذلك في الثانية؟ وتخصص الاعتبار أولاً بالمتوسمين وثانياً بالمؤمنين؟

والجواب: أن المتقدم في ذكر ضيف إبراهيم ووجله، عليه السلام، منهم مع أنه كان لا يهاب كثرة الرجال لما منح من النبوة والأيد، إلى حال النبوة، وتخصيص الخِلة، ثم بشارة الملائكة له بالولد مع بلوغ الكبر، ثم سؤاله إياهم عن إرسالهم إذ ذاك فأخبروه أنهم أرسلوا لإهلاك قوم لوط، وكانت مدينتهم على قرب من حيث كان إبراهيم، عليه السلام، فسألهم - إشفاقاً ورحمة جبل عليهما الرسل والأنبياء - أيهلكون إن كان فيهم مؤمنون؟ وعن ذلك السؤال والمحاورة عبر بالمجادلة (في قوله): (يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ) (هود: ٧٤) أي يجادل رسلنا، وهي محاورته معهم وسؤاله إياهم حتى عرفوه أن آل لوط، عليه السلام، ناجون إلا امرأته، ثم أعقب ذلك من مجيء الملائكة من عند إبراهيم إلى لوط، وإنكار لوط أولاً إياهم حتى علم أنهم الملائكة ثم أمرهم أياه بأن يسري بأهله، وأن يُقدمهم أمامه، ولا يلتفت إلى ما وراءه، ولا يعرج على شيء فإن قومه هالكون صبح ليلتهم، ثم الإخبار بمجيء قوم لوط لما سمعوا بأضيافه وظنوا أنهم من البشر، وجاؤوا مسرعين طامعين في غلبة لوط، عليه السلام، وقهره في ضيفه ليأخذوهم لأغراضهم الشنيعة: (وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) (هود: ٧٨)، فذكرهم، عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>