أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) (الأنبياء: ٩٥) إلى ما يتلوه بيان جزاء المسمى وحكمه، وربطت الفاء ما فصل من الجزاء بما وقع الجزاء المفصل مربوطاً به ومنبهاً عليه، فالموضوع للفاء ولا مدخل للواو هنا.
وأما تعقيب آية طه بقوله:(فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)(طه: ١١٢)، فإفصاح بالتأنيس المناسب لما بنيت عليه، وقد وضح هذا في الآية المترجم عليها قبل التي تلي هذا، ولم تبن آية سورة الأنبياء على ما ذكر فجيء فيها بما يناسب، وورد كل على ما يجب، ولا يلائم عكس الوارد ولا يناسب، والله أعلم.
الآية السابعة من سورة طه قوله تعالى:(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ)(طه: ١٢٨)، وفي سورة السجدة:(أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ)(السجدة: ٢٦)، فلحقت همزة الاستفهام الواردة هنا تقريراً وتوبيخاً حرف العطف متقدمة قبله كما يجب واختلف حرف العطف، فلسسائل أن يسأل: لم اختصت الأولى بالفاء من حروف العطف والثانية بالواو؟ وعن زيادة (من) في سورة السجدة؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن قوله في الآية الأولى: (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) كلام لم يتقدمه ما يكون هذا معطوفاً عليه، وإنما هو كلام مستأنف مبتدأ، ألا ترى ما تقدم قبله من قوله تعالى إخباراً عمن أعرض عما جاءت به الرسل فقال تعالى:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) - أي بإعراضه عن إتباع الرسل - (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)(طه: ١٢٤) إلى قوله: (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)(طه: ١٢٧)، هذا إخبار عن جزاء من أعرض ولم يؤمن، ثم ورد ما بعد مستأنفاً وارداً مورد ما يرد من الكلام التفاتاً، وهذا مراد أبي محمد بن عطية، ثم ابتدأ توبيخهم وتذكيرهم فقال تعالى:(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ)، والضمير المجرور لكفار قريش ومن كان معهم، أي أفلم يتبين لهم، والفاعل ما يفهم من جملة الكلام وسياقه، أي أفلم يهد لهم هذا المشاهد لهم الواضح من تقلبهم في بلاء عاد وثمود يمشون في مساكنهم ويعاينون آثار هلاكهم، وكم مفعولة بأهلكنا. واستمر الكلام مع المذكورين إلى آخر السورة، وإذا كان قوله:(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) مبتدأ مستأنفاً فالموضع للفاء، وهذا كقوله في سورة الرعد:(أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا)(الرعد: ٣١)، وقوله في سورة القتال:(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)(محمد: ٢٤)، وما أتى مثل هذا مما الوجه فيه الاستئناف، ولم يقصد عطفه