أما آية غافر، في أكثر الخطاب المتقدم قبلها، من أول السورة إليها، خطاب لقريش وسائر كفار العرب. وهم المجادلون في أمر الساعة، والجاهلون بكيانها، والقائلون:(إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)(المؤمنون: ٣٧)، فقدم لهم قبل ذكر الآيات قوله تعالى:(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)(غافر: ٥٧)، فذكروا بما لا يمكن لأحد من المخلوقين إلا الاعتراف بعظيم أمره والعجز عنه، وهو بدخول اللام ونفي الريب في ذلك، وذلك أوضح شيء في المناسبة، فكل من الآيتين وارد على أتم مناسبة، ولا يمكن أن يقع الوارد في سورة غافر في سورة طه. ولا الوارد في سورة طه في سورة غافر، والله أعلم بما أراد.
والجواب عن الثاني: أن آية طه وردت أثناء خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتأنيس والتسلية عما يلقاه من مكابدة قريش وسائر كفار (العرب)، وتعريفه بما جرى لموسى، عليه السلام، وظهوره على فرعون، فلم يكن ليناسب ذلك تأكيد الخبر عن أمر الساعة، إذ هو، عليه السلام، من أمرها على أوضح الجادة.
أما آية غافر فإن قبلها تعنيفاً لكفار من قريش وغيرها، وعلى ذلك استمرت الآيات من أول السورة إلى قوله:(إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ)(غافر: ٥٦)، إلى قوله:(قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ)(غاف: ٥٨)، فناسب ذلك من حالهم تأكيد الإخبار عن إتيان الساعة بدخول اللام، وصيرورة الآية بذلك في قوة المقيس عليه تحقيقاً للأمر وتأكيداً لما في طي ذلك من وعيدهم بسوء مآلهم، فورد كل من الآيتين على ما يناسب، والله أعلم.