قْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (القصص: ٣٢ - ٣٥) إلى قوله: (وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ)(القصص: ٣٥). للسائل أن يسأل عن اختلاف المحكي من قول موسى، عليه السلام، حين بعث إلى فرعون مع اتحاد القضية في السور الثلاث وقد وقع في كل سورة منها ما ليس في الأخرى، فيسأل عن هذا؟ وعن وجه اختصاص كل سورة بما ورد فيها؟
والجواب عن السؤال الأول: أن قول موسى، عليه السلام، لا توقف في أنه لم ترد حكايته إلا بالمعنى لاختلاف اللسانين كما تقدم، وإذا تقرر كونها بالمعنى، والترادف فيما بين اللغتين في كل لفظتين يراد بهما معنى واحد غير مطرد، فلا إشكال في أن المعنى قد يتوقف حصوله على الكمال على تعبيرين أو أكثر، لا سيما مع ما في اللسان العربي من الاشتراك والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والحقيقة والمجاز وغير ذلك من عوارض الألفاظ، فكيف ينكر اختلاف التعبير عن المعنى الواحد بألفاظ وعبارات مختلفة، بل نقول إنه لو كان المحكي قولاً عربياً وحكي بالمعنى لما استنكر اختلاف العبارة، فكيف مع اختلاف اللسانين؟ والحاصل من قول موسى، عليه السلام، في هذه السور الثلاث سؤاله ربه شرح صدره وتيسير أمره وإطلاق لسانه وتشكيه منه والتعاون بأخيه هارون، عليهما السلام، وخوفه أن يكذب وذكره ما تقدم منه من قتل القبطي، على هذه القضيات السبع دار المحكي من كلامه، عليه السلام، وقد يرد في سورة منها بعض ذلك مما ليس في الأخرى، ولم يتعارض شيء من ذلك، فارتفع الإشكال المتوهم جملة.
والجواب عن السؤال الثاني: أن الوارد في سورة طه من قوله: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)(طه: ٢٥) إلى أن قيل له: (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى)(طه: ٣٦) مناسب لما بينت عليه السورة من التأنيس والبشارة لنبينا صلى الله عليه وسلم من لدن افتتاحها بقوله: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)(طه: ٢) إلى ختامها بقوله لنبيه عليه السلام: (لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ)(طه: ١٣٢) وقوله تهديداً ووعيداً لأعداء نبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ... )(طه: ١٣٥)، ولا توقف في بيان هذا التناسب.
وأما سورة الشعراء وسورة القصص فإنما بناؤها على قصص موسى عليه السلام، أما الشعراء فمبينة على ابتداء الرسالة ودعائه فرعون ومراجعة إياه إلى نجاة بني إسرائيل وإغراق فرعون، وأما سورة القصص فمبينة على ابتداء امتحان بني إسارئيل بذبح الأبناء واستحياء النساء للخدمة والمهنة، وتخليص موسى، عليه السلام، من ذلك، وتكفل