وهو الغفور الرحيم "، فورد جواب الشرط الثانى فى الآية الأولى بقوله: "فهو على كل شئ قدير " وفى الثانية بقوله: "فلا راد لفضله " وقال فى الأولى: "وإن يمسسك " وفى آية يونس: "وإن يردك " وأعقبت آية يونس بقوله: "وهو الغفور الرحيم " فخص هاتين الصفتين العليتين من صفاته تعالى فهذه ثلاث أسئلة فللسائل أن يسأل عن توجيهها وموجب ما ورد عليه ما ذكر؟
والجواب عن الأول والله أعلم أن مدار الأية الأولى وهى آية الأنعام على أنه سبحانه المنفرد بالخلق والاختراع والمتصرف فى عباده بما يشاء والقدير على كل شئ ونفى هذه الصفات عمن سواه سبحانه وتنزيل هذا عل ما افتتحت به السورة من قوله تعالى: "الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور " وقوله: "هو الذى خلقكم من طين " وقوله "وهو الله فى السماوات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم " وقوله فيمن أهلكه من القرون بكفرهم: "مكناهم فى الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا .... "الآية وقوله: "قل لمن ما فى السماوات والأرض ... "الآية وقوله: "قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض ... "الآية
فدارت هذه الآى كلها على التعريف بوحدانيته تعالى وانفراده بخلق الأشياء وملكها وقهرها ولم يقع فيها تعرض إلى أن أحدا من خلقه يمنع أو يدفع أو يتعاطى استبدادا بشئ وإن كان قد يفهم بعض ذلك من الجارى أثناء الكلام كقوله: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " وقوله: "قل أغير الله أتخذ وليا ... "الآية
بل فى قوة الجارى فى هذه الآى أن المشار إليهم بمخالفة مقتضاها أخلدوا إلى ترك التغير واشبهوا البهائم فى البعد عن النظر وكأنهم يرون أن الأفعال وما يتجرد فى العالم من المدركات المشاهدات من الأجسام والأعراض على كثرة تنوعها واختلاف شيآتها وأشكالها زجدت بأنفسها لا عن فاعل تقدمها أوجدها بالقدرة والاختيار بل تكونت بأنفسها فقوبل مرتكبهم بالتعريف بقدرته تعالى على كل شئ وأنه الموجد لما فى العالم العلوى والسفلى وقيل له عليه السلام: "وإن يمسسك الله بضر .. "الآية
إعلاما بأن ما يكون من هذا فمنه تعالى لأنه المنفرد بالخلق والقدير على كل شئ فهذا حاصل ما تقتضيه آية الأنعام.
وأما آية يونس فقد ذكر قبلها حال من ظن أن غيره تعالى يضر أو ينفع قال تعالى: