الأمر وتفاوت المنظور وتجريد الأمر لكل من الضربين مما قبلها وما بعدها فليس موضع تعقيب بالفاء إذا لم يرد أن يكون سيرهم لمجرد الاعتبار بمن كذب فأخذ تذيبه فقط بل الضربين مما ذكرناه ومهدناه وفى كل آية منهما أشفى دلالة وقصد فى الآى الأخر تذكيرهم واعتبارهم بأحد المكذبين وهو المعقب بالفاء فلما افترق القصدان عطف كل بما يناسب والله أعلم.
الآية الرابعة: قوله تعالى: "وذلك الفوز المبين " وفى الجاثية: "ذلك هو الفوز المبين " بزيادة "هو " وسقوط واو العطف.
لما تقدم فى سورة الأنعام قوله تعالى:"قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم " ثم أعقب بقوله تعالى: "من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه " والمراد من يصرف عنه العذاب فى الآخرة فقد رحمه عطف عليه قوه: "وذلك الفوز " وكان الكلام فى قوة قوله فقد رحم وفاز كما فى قوله: " فمن زحزح عن النار وأدخل النار فقد فاز " والفاء هنا وفى قوله: "فقد رحمه " جواب الشرط والفوز مسبب عن الرحمة فاكتفى بذكره فى آية آل عمران وذكرا معا فى آية الأنعام فعطفه عليه بين ولم يتقدم من أول السورة إلى هنا ما يتوهمه العاقل فوزا فيحترز منه بما يعطيه ضمير هو من المفهوم فلم يقع الضمير هنا.
أما آية الجاثية فقد ورد قبلها قوله تعالى مخبرا عن قول منكرى البعث:"ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر " فأفهم قوله "ما هى إلا حياتنا الدنيا " أن هذه الحياة هى الحاصلة لهم ولا حياة وراءها فمن تنعم فيها فذاك فوزه فأخبروا أن الأمر ليس كما ظنوه وذكر تعالى أمر الساعة وتفصيل الأحوال فيها وقال: "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم فى رحمته " ثم قيل "ذلك هو الفوز المبين " لا الحياة التى هى لهو ولعب فكأن قد قيل: ذلك الفوز لا ما ظننتموه فوزا فأحرز مفهوم الضمير هذا المقصود ولم يتقدم فى آية الأنعام ما يستدعيه كما لم يتقدم فى آية الجاثية ما يستدعى العطف فجاء كل على ما يناسب والله أعلم.
الآية الخامسة قوله تعالى:"وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير " وفى سورة يونس: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده