والاتصال منها قوله تعالى:"من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت " قوله تعالى: "وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون " وفوله: "واشكروا له إليه ترجعون " وقوله: "ألم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده " ولم يتقدم فى السور الأخر على الاتصال مثل هذا فناسبه إحالتهم وتذكيرهم بالاستدلال بالبدأة على العودة فقال تعالى: "فانظروا كبف بدأ الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة ".
وأما آية الروم فقد تقدم قبلها قوله:"ولا تكونوا من المشركين " وقوله: "إذا فريق منهم بربهم يشركون " قوله: "أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون " قوله: "هل من شركائهم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون " فلما تقدم ذكر من امتحن بالشرك وسوء عاقبتهم ولم يتقدم مثل هذا فى السور المتقدمة ناسبه ما أعقب به من قوله: "قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين " فجاء كل على ما يجب.
وأما ورود ما أعقبت به كل آية من هذه من المأمور بالنظر فيه والاعتبار به بالفاء من حروف العطف سوى آية الأنعام فذلك بين لأنهم أمروا أن يعقبوا سيرهم بالتدبر والاعتبار وحصر نظرهم واعتبارهم فى المعقب المذكور بعد الفاء ولم تقع إشارة إلى اعتبارهم بغير ذلك وأما آية الأنعام فإنها افتتحت بذكر خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وإنما ذكر هذا من الخلق الأكبر ليعتبر بذلك فإنه أعظم معتبر وأوسعه قال تعالى:"لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس " فكأن الآية فى قوة أن لو قيل: سيروا فى الأرض فاعتبروا لخالقها، وكيف دحاها لكم وذللها لسكانكم، وجعل فيها رواسى أن تميد بكم وفجر فيها الأنهار إلى عجائب ما أودع فيها وكيف جعل السماء سقفا محفوظا بغير عماد وزينها بالنجوم لتهتدوا بها فى الظلمات وجعل الشمس والقمر حسبانا وضياء وزينا للسماء الدنيا وكيف محا آية الليل لمصلحة العباد وجعل آية النهار مبصرة إلى ما لا يحصى من منافعها وعجائبها لمن منح الاعتبار قال تعالى:"إن فى السموات والأرض لآيات للمؤمنين " ثم انظروا عاقبة من كذب ونبه فلم يعتبر فعطف هذا بثم المقتضية مهلة الزمان حيث يراد ذلك.