تعالى عن قول أعدائه ونسبتهم إياه إلى الجنون ثم وصفه تعالى بأنه على الغيب الموحى به والمأمون على تبليغه غير متهم ولا بخيل على القراءتين فقال:"وما هو على الغيب بضنين " ثم أعقب بقوله تعالى: "وما هو " أى وما القرآن "بقول شيطان رجيم " فجرت هذه الضمائر على التذكير على ما يجب ثم اتبع بقطع تعلقهم فقيل: "فأين تذهبون " أى إن كل ما رمتم من رميه عليه الصلاة والسلام به من السحر والجنون والتقول لا يقوم شئ من ذلك على ساق ولا يتوهم ذلك ذو عقل سليم ثم قال: "إن هو إلا ذكر للعالمين " والضمير للقرآن ولا يمكن وروده خلاف هذا لمنافرة التناسب ومباعدة التلاؤم.
وأما آية الأنعام فتقدمها قوله تعالى:"أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " فنوسب بين قوله: "إن هو إلا ذكرى " وبين ما تقدم فكأن التقدير إن هو أى الأمر أو المراد المقصود أو ما ذكر من الكتاب والحكم والنبوة إلا ذكر فناسبه ذكرى هنا لما تقدم بيانه ولم يتقدم هنا ما يستدعى لفظ التذكير ويناسبه فجاء كل على ما يجب والله أعلم.
الآية السادسة عشرة: قوله سبحانه: "والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون " لم يقرأ هنا بغير هذا اللفظ وكذا فى المعارج وفى سورة المؤمنون فى قراءة الجماعة إلا الشيخين "على صلواتهم " بالجمع فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عنه والله أعلم: أن ذلك مناسب لما اكتنف هذا الوصف فى آية سورة المؤمنون لما كان ذكر محافظتهم على صلاتهم قد اكتنفه ما تقدمه وما تأخر عنه من تفخيم الوصف فى المتقدم وتفخيم الجزاء فى المتأخر ناسب ذلك تفخيم العبارة عن فعلهم فورد بلفظ الجمع فى قراءة الأكثرين فقيل: "والذين هم على صلواتهم " أما تفخيم الوصف المتقدم فذكرهم بالفلاح وهو الظفر بالمراد والبقاء فى الخير وذكرهم بالخشوع فى صلاتهم وإعراضهم عن اللغو ولم يقع متقدم وصفهم فى سورة المعارج ما يوازن هذه الأوصاف.
وأما آية الأنعام فلم يتقدم فيها غير ذكرهم بالإيمان فقط وأما نعتهم الوارد فى جزائهم فوصفهم بأنهم الوارثون ثم تخصيصهم بأنهم الوارثون ثم تخصيصهم بإرث الفردوس وهو أعلى الجنة ومنه تنفجر أنهار الجنة، ووصفهم بالخلود فيها، ولا يوازن هذا بقوله عقب آية المعارج:"أولئك فى جنات مكرمون ".