وفى سورة الأعراف:"وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلاه بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون " بإدغام تاء التفعل فى فاء الكلمة مع اتحاد المرمى فى الآيتين فيسأل عن وجه ذلك؟
والجواب والله أعلم: أن العرب تراعى مجاورة الألفاظ فتحمل اللفظ على مجاوره لمجرد المضارعة اللفظية وان اختلف المعنى ومنه الاتباع فى ينوؤك ويسوؤك قال سيبويه رحمه الله وقد ذكر بعض ما تتبع فيه العرب وتحمل اللفظ على ما قرن به لول أفرد عنه لم ينطق به كذلك فقال: كما أن يتوؤك يتبع يسوؤك يريد أنك تقول: ينيئك بضم الياء وكسر النون متعديا على مثال يزيلك وزنا وتعدية إلى المفعول فإذا ذكرته بعد يسوؤط ابعته إياه فقلت يسوؤك وينوؤك مع اختلاف المعنى فهم فيما اتفق معناه من هذا أحرى أن يفعلوا فيه ذلك.
وماضى الفعل من الضراعة لا إدغام فيه إنما تقول تضرع إذ لا حرف مضارعة فيه يسوغ الإدغام فلما ورد الماضى فيما بنى علي آية الأنعام من قوله:"فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " ولا ادغام فيه لما ذكرنا ورد الأول مفكوكا غير مدغم فقيل يتضرعون رعيا للمناسبة، أمأ آية الأعراف فلم يرد فيها ما يستدعى هذه المناسبة فجاء مدغما على الوجه الأخف إذ لا داعى لخلافه والله أعلم.
الآية الرابعة عشرة: قوله تعالى: "قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك " بتكرير ضمير الخطاب المجرور من قوله "لكم " وفى سورة هود: "ولا أقةل لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إنى ملك " بغير تكرير الخطاب فللسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب والله سبحانه أعلم أن الوارد فى سورة هود إنما هو حكاية قوله نوح عليه السلام متلطفا ومشفقا من حال قومه ألا ترى استفتاح خطابه لهم بقوله:"أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتانى رحمة من عنده ... " الآية وقوله: "ويا قوم لا أسألكم عليه مالا ... " الآية وقوله: "يا قوم من ينصرنى من الله " إلى قوله "إنى إذا لمن الظالمين " فتأمل جليل ملاطفته عليه السلام وما يفهم من كلامهم من عظيم الإشفاق من حالهم وإرادته ما به نجاتهم من العذاب ومن أخذهم بمرتكباتهم فهذا كله استلطاف فى الدعاء لا يلائمه تكرار كلمة تفهم تعنيفا أو توبيخا والتأكيد والتكرار يفهم ذلك ويردان حيث يقصد.
وأما قوله تعالى فى آية الأنعام:"ولا أقول لكم إنى ملك " فوارد طى كلام أمره صلى الله عليه وسلم بتبليغه عتاة