والجواب عن الأول: أنه إنما أعيد لفظ التنبيه لتسويغ معتبرات كل منها كاف فى الدلالة لمن وفق ونظير هذا ما ورد فى قوله تعالى: "قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون " ثم قال: "أمن خلق السماوات والأرض " أمن فعل كذا فهذه الدلالات التى نبهوا على الاعتبار بها نظائر الآى الواردة فى آية الأنعام وأما الإتيان بأداة الخطاب بعد الضمير المحصل لذلك فتأكيد فى إيقاظ المنبه إنباء باستحكام غفلته كما يحرك النائم باليد والمفرط الغفلة باليد واللسان وشبه هذا ألا ترى وصفهم قبل هذا بقوله تعالى: "والذين كفروا بآياتنا صم وبكم فى الظلمات " فذكروا أولا تذكير الصم والبكم، وإنما يذكر هؤلاء بأبلغ ما يقع به التحريك والتنبيه، ثم لما بسط الكلام وامتد الوعظ إلى الآية الأخرى قيل لهم:"قل أرأيتم " فلم يحتج إلى التأكيد، وذكروا بأمر مشاهد فى كثير من الخلق فقيل لهم:"إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم " ثم لما أخذوا بكل وجهة يحصل منها الإتعاظ اتبع ذلك بذكر العذاب وسوء الجزاء لمن لم يتعظ وكررت أداة الخطاب وأكد كما يقال لمن نبه فلم ينتبه ولا أجدى عليه التذكار كيف رأيت؟ ويحرك تجريك المتمادى على غيه بتكرر الخطاب فقد حصل الجواب عن الكل.
وأما آية يونس فمنفردة ولم يتقدم قبلها ذكر صم ولا بكم يوجب تأكيد الخطاب وقد تقدم قبلها قوله تعالى:"قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار " إلى ما بعد هذا فحصل تحريكهم وتنبيهم بما لم يبق لعده الا التذكير بعذابهم ان لم يجد ذلك عليهم فالتدريج هنا حاصل كما هناك لكن بطريقة أخرى والله أعلم بما أراد.
فصل: واعلم أن من جعل الأداة المؤكد بها الخطاب فى أرأيتكم ضميرا لم يلزمه اعتراض بتعدى فعل المضمر المتضل إلى مضمره المتصل لأن ذلك جائز فى باب الظن وفى فعلين من غير باب ظننت وحسبت وهما: فقدت وعدمت، وكذلك تعدى فعل الظاهر إلى مضمره المتصل جائز فى الأفعال المذكورة والآيات المتكلم فيها من باب الظن لأن المراد برأيت رؤية القلب فهى من الباب المستثنى وإنما الممتنع مطلقا تعدى فعل المضمر المتصل إلى ظاهره فلا اختلاف فى منع هذا فى كل الأفعال وأما من جرد أداة الخطاب المؤكد بها للحرفية وهو قول الجمهور فلا كلام فى ذلك.