يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ) (هود: ١١٦)، أي فهلا كان منهم خيار وينهون عن الفساد والظلم، فلو كان منهم ذلك لما هلكوا:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)(هود: ١١٧)، أي ما كان ليفعل بهم وإن وقع منهم ظلم ذلك كان فيهم مغير للظلم وناه عن الفساد ولكنهم كانوا كما أخبر تعالى عن المعتدين من بني إسرائيل في قوله تعالى عنهم:(كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)(المائدة: ٧٩)، وجيء بالفعل في قوله:(ليهلك) إشارة إلى التكرر بحسب ما يكون منهم، فلو كان في كل أمة وقرن بعد قرن من ينهي عن الفساد والظلم لما أخذ بذوي الظلم منهم ولكان تعالى يدفع بعضهم عن بعض، ولكن تكرر الفساد وعم كل قرن فتكرر عليهم الجزاء والأخذ، فأشار الفعل إلى التكرر ولم يكن الاسم ليعطي ذلك، وهذا كقوله تعالى:(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ)(الملك: ١٩) ولم يقل: وقابضات لما قصده من معنى التكرر، وأما قوله في سورة القصص:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا ... )(القصص: ٥٩) فإنه تقدم هذا في قوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(القصص: ٥١) أي أتبعنا وولينا التذكار، ويشهد قوله تعالى:(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)(فاطر: ٢٤)، وقوله تعالى:(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)(الإسراء: ١٥)، فلما أعلم سبحانه تتابع التذكار وتعاقب الإنظار قال:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا)(القصص: ٥٩)، ونسب هذا ذكر اسم الفاعل لأنه قصد ذكر الاتصاف بهذا ولم يقصد التكرر ولم يكن حاصله، وقال هنا وفي آية هود:(وما كان ربك) بإضافة اسم الرب جل وتعالى إلى ضمير نبينا صلي الله عليه وسلم المخاطب بهذه ملاطفة لهذا النبي صلى الله عليه وسلم وتأنيساً له ولأمته وإشعارا بعظيم حظوته ومنزلته لديه سبحانه، ثم اتبع تعالى هذا بقوله:(وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)(القصص: ٥٩)، فأخبر تعالى أنه ما أهلكهم إلا بعد استحقاق جميعهم العذاب وتساويهم في الظلم وقيل في هذه الآية الأخيرة:(وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى) لئلا يتكرر اللفظ بعينه مع الاتصال والقرب وليس من مواضعه، وقد حصل جواب الاسئلة الثلاثة وبيان خصوص كل آية منها بمواضعها، والله أعلم.