ولما لم يذكر من حال قوم نوح وقوم صالح وقوم لوط مثل هذا التنويع لم يتكرر ما ورد في أعقاب قصصهم من قوله:(فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)، وتناسب ذكل كله أتم مناسبة، وجرى مع كل قصة ما يلائمها فإن قيل: فإن آل فرعون قد تكرر عليهم الامتحان قال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ)(الأعراف: ١٣٠) وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك ولم يقع التنبيه على تعذيبهم وإنذارهم متكرراً كما وقع في قصة عاد؟ فالجواب أن قصة آل فرعون لم يقع تعقيبها بقوله:(فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) كما ورد في القصص الثلاث، وإذا لم يرد تعقيبها بذلك فقد سقط السؤال عن التكرر، ثم أعقبت بما يحرز امتحانهم بأشد امتحان وهو قوله تعالى (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)(القمر: ٤٢). فلما خالف إيرادها تلك القصص ولم يجر في ذلك التعقيب مجراها لم يلزم السؤال المفروض، والله أعلم (بما أراد).
وأما الجواب عن قصة عاد فإنما اختص ما نزل فيها من كتاب الله بذكر عذابين أحدهما قوله تعالى:(لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(فصلت: ١٦) والثاني قوله: (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ)(فصلت: ١٦)، فأشار قوله أولاً:(فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) إلى عذابهم في الدنيا، وأشار التكرار إلى عذاب الآخرة. وهذا الجواب، والله أعلم: بعيد لأن سورة القمر بأسرها مقصودها تذكير كفار العرب من قريش بغيرهم بما نزل بمن تقدمهم من كذبي الأمم، وإنما ذكروا بحاصل قد وقع بمن سلك مسلكهم ليتعرفوا خبره فيتعظوا، وعلى هذا جرى تذكارهم في الكتاب العزيز، فتارة بما يشاهد من خلق السماوات والأرض وشبه ذلك، وتارة بما يعلم خبراً. أما وعظهم بعذاب الآخرة وهم يكفرون بالرحمن فبعيد ولا يطابق قوله عقب كل قصة:(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ولا قوله: (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(القمر: ١٥) فتأمله، وهو أعمد جوابي صاحب كتاب الدرة وأراه (لايصلح)، والله أعلم.