والجواب: أن معنى كل آية منها استدعى تعقيبها بما به أعقبت، فأما الأولى فلما تقدمها قوله تعالى:(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)(الإسراء: ٦٧، أي اضمحل تعلقكم بشيء من أندادكم ومعبوداتكم سواه، وبطل ذلك، ولجأتم إليه سبحانه، كما قال في آية أخرى: (ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)(النحل: ٥٣)، فلما دعوتموه ونجاكم إلى البر أعرضتم ورجعتم إلى ما كنتم قبل من شرككم (وظنكم) أن قد أمنتم عذابه، أفأمنتم عذابه (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ)(الإسراء: ٦٨) أي يقلب بكم جانب البر، وهو الذي حملكم وأقلكم عند انفصالكم من البحر، ونجاتكم منه، وذلك جانب من البر إذ ليس البر كله هو المستقل بهم إذ ذاك، وإنما هم في قطعة من البر وجانب من الأرض، والأرض كلها لله سبحانه، أفأمنتم أخذه سبحانه لكم بالخسف وإرسال حاصب من الريح (وهي الرييح الشديدة)، ترميكم بالحصباء حتى تهلككم رجماً، ثم لا تجدوا إذ ذاك من يتوكل بصرف ذلك عنكم ودفعه عن إهلاككم، فيتدارككم المتوكل لكم بدفع ذلك وصرفه عنكم، فتحصلون في حزب الناجين بعد مشاهدة الهلاك، هل تجدون براً، فهذا تقدير دافع قبل الإمضاء. ثم قال:(ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا)(الإسراء: ٦٩)، أي مطالباً يطلبنا بثأركم بعد إهلاككم بغرقكم، فلما كان القدر تعلقهم به من بعد الموت والتلف بالإغراق ناسب ذلك ولاءنه تسمية هذا المقدر الطالب تبيعاً، ولأنه يتبع بعد الموت، كما يسمى طلب ذمة (من مات) تبعاً واتباعاً، ومنه (فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)(القرة: ١٧٨)، والتابع من يجيء بعد. ولما كان المقدر في الآية الأولى دافعاً قبل الفوت (ومانعاً) دون الاستئصال ناسبه العبارة: (بوكيل) لأنه الذي يدفع ويمنع الوصول أو الاستئصال، فجاء كل على ما يجب، ولم ين ليلائم ختام هذه الآية ختام تلك ولا ختام تلك ما ختمت به هذه وأما قوله:(إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ)(الإسراء: ٧٥) فالمراد