يتعاطاه أحد مع وضوح الأمر عند تدبره وهو قوله تعالى:(أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ... )(النمل: ٦٣)، ذلك مما لا يتصور فيه من العاقل التسليم، فأعقب بحسب ذلك والتفات ما قبله بقوله:(تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(النمل: ٦٣)، ثم ختم ما قدم من هذه المعتبرات الجليلة بما لا يحصل الاعتبار إلا بعد إحكام النظر فيما قبله، والاعتراف بما يجب لله سبحانه من الاتصاف بالعلم والقدرة، إذ بهما وبقوبتها تَتِمُّ وتثبتت العةدة والبدأة، إلى ما يجب له سبحانه من الصفات العُلى التي يثمر العلم بثبوتها له سبحانه النظر التام الصحيح والاعتبار بما تقدم في الآيات قبل هذه، فلما كمل ذكر ما به (يحصل الاعتراف) والإيمان، ويستوضح منه (أنه) سبحانه المنفرد بالخلق والأمر والمالك للدارين، أعقب بطلب المعاند بالبرهان على ما يديعه، فقيل:(قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(النمل: ٦٤) أي إن صدقتم أن لله شريكاً في ملكه تعالى: (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(النمل: ٦٣)، فقد وضح أن كل معقب به آية من هذه الآيات، المذكر بها من استبصر والقاطعة بكل من أشرك وكفر، جار على أوضح مناسبة.