كفر ولكن فى وقوعه فى البيت الحرام زيادة، وتأمل هذا فى الكتاب العزيز وفى صحيح الأخبار تجد ذلك كثيرا، كما أن هذه الإضافة فى قوله "من ربهم " مشعرة إذا اقترن بها بعض القرائن بالتلطف والتقريب وتأنيس من عنى بها وتخويف من انتهك حرمة من جرت الكناية عنه بها تخصيصا وتأنيسا فلهذا خص هذا الموضوع بها وقدم أيضا تأنيس من خوطب بالنهى إذا هم امثلوا فأنسوا من شدة الخوف الحاصل من مجموع ما ذكرنا فلمجموع ما قصد فى هذه الآية من التأنيس والتخويف والاستلطاف خصت بما ورد فيها.
فإن قلت قد ترد هذه الإضافة حيث لا يقصد التلطف ولا التأنيس كقوله تعالى:"وللذيم كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير " إلى أمثال هذا مما يكثر قلت: أما آية الفتح فلم ينجر فيها تخويف مرتكب ولا بنيت على ذلك ولا داعية إلى ما يستدعى التأنيس كما فى آية المائدة وهذا مع أن المذكورين فى آية الفتح أعظم الأمة قدرا وأجلهم خطرا وهم أهل المزية والاختصاص فلم تين الآية الا على مدحهم وبيان مزيتهم التى لا يدركها غيرهم ولم ينجر فيها تخويف يدعو إلى تأنيس من خوطب بها كما فى آية المائدة بل وردت هذه مورد البشارة وتعريف حال الأنعام، وعلى ذلك وردت آية الحشر من الثناء والمدحة ولم يتخللها نهى ولا تخويف ولا ورود تفضيل بذكر مخالفى تلك الأحوال فقال تعالى:"للفقراء المهاجرين " إلى قوله "يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون " فقد وضح الوجه فى ورود كل من هه الآى على ما ورد وإن عكس الوارد فيها لا يناسب على ما تمهد والله سبحانه أعلم.
الآية الثالثة من سورة المائدة:
قوله تعالى:"ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا " وقال تعالى فيما بعد: "ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا " فاتفقت الآيتان على وصية المؤمنين وحضهم على مكارم الأخلاق والعفو ممن تقدمت منه إساءة أكسبت بغضه فكأن قد قيل لهم: لا يحملنكم ما وقر فى صدوركم من بغضكم إياهم على متقدم إساءتهم بصدهم إياكم عن المسجد الحرام عام الحديبية ومنعكم عن الاعتمار لا يحملنكم ذلك على الانتقام منهم والانتصار لأنفسكم والعفو أقرب للتقوى وقد ملكتم فاسجحو، خوطب المؤمنون بهذا بعد فتح مكة وقهر مفار العرب وإعلاء كلمة الله فندبوا إلى العفو عما تقدم ولا يحاسب من انقاد واستجاب فى دين الله بما كان تقدم من عدوانهم وان وقر فى