"يحرفون الكلم عن مواضعه " فهم المزيون لما خوطبوا به عما أريد به لم يتقدمهم فى ذلك غيرهم وأما المعاصرون فقد حرفوا أيضا بعد الاستقرار، ألا ترى إنكارهم صفته عليه السلام بعد مشاهدته ورؤيته وهذا مما اختص به الخلف دون السلف إذ لم يباشر أمره عليه السلام هؤلاء بعد أن كان سلفهم يعترفون بذلك فقد حرف هؤلاء بعد الاعتراف والثبوت زائدا إلى ما ارتكبه سلفهم فالمقلدون لأسلافهم فى التحريف والتبديل قائلون بما قالوه فناسب الإخبار عن مرتكبهم ذكر البعدية إذ قد تقدمهم غيرهم لما ذكر فالسلف منهم مبتدع مخترع والخلف محرف أيضا ومقلد متبع فالبعدية لمن بعد والحالية المحكية لمن قبل على ما يناسب والله أعلم.
للسائل أن يسأل عما ورد فى هاتين الآيتين من الاختلاف فيما خوطب به بنو إسرائيل ووجه خصوص كل من الموضعين بالوارد فيه مع اتحاد مقصودهما من تذكيرهم وتعنيفهم على إعراضهم وانحرافهم عن الجادة من اتباع من أعلموا بأمره وقدم لهم فيه:"فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ".
على هذه المقدمة من المعنى مدار الآيتين وإذا وضح هذا فلا سؤال فى غير تخصيص كل واحدة من الآيتين بما ورد فيها؟
والجواب والله أعلم: أنه لما تقدم قوله تعالى: "ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا ..
الآية " فبين تعالى ما عهد إليهم فيه أى فى معرفة نبوته وأن يؤمنوا به "لتؤمنن به ولتنصرنه " وألزموا الوفاء به وأعلموا بما يكون من أمرهم أن وفوا فقيل لهم: "لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار " فالتزموا بما ألزموا بدليل قالوا أقررنا ثم نقضوا وحرفوا فجوزوا باللعنة وقساوة القلوب قال تعالى: "فبما نقضهم ميثاثقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية " فلما تقدم هذا ناسبه قوله تعالى لهم: "يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب "وهذا أوضح تناسب.