وإفراده سبحانه بالخلق والأمر والربوبية والتعالى وما يرجع إلى هذا كقوله تعالى:"وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم " وقوله تعالى: "وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى فى السماوات والأرض ...
" ثم قال تعالى: "وهو العزيز الحكيم " وقوله تعالى: "ولله جنود السماوات والأرض ...
" ثم قال: "وكان الله عزيزا حكيما " وقوله تعالى: "سبح لله ما فى السماوات والأرض ...
" ثم قال: "وهو العزيز الحكيم " وهذا كثير مطرد حيث يراد معنى القهر والملكية والإحاطة والاقتدار فللسائل أن يسأل عن وجه ورود آيتى المائدة والممتحنة معقبتين بما ذكر؟
والجواب عن ذلك والله أعلم: يتفصل فى الآيتين: أما آية المائدة فمبنية على التسليم لله سبحانه وأنه المالك للكل يفعل فيهم ما يشاء فلو ورد هنا عقب آية المائدة: "وإن تغفر لهم فأنت الغفور الرحيم " لكان تعريضا بطلب المغفرة ولم يقصد ذلك بلآية وإنما قيل ذلك على لسان عيسى عليه السلام تبريا وتسليما لله سبحانه وليس موضع طلب مغفرة لهم وإنما هو تنصل من حالهم وتسليم لله فيهم قال القرطبى رحمه الله: "لم يقل "الغفور الرحيم لأن مخرجه على التسليم ولأن فى ذكر الغفور تعريضا للسائل والكلام لتسليم الأمرين والحكمة تقتضيهما وكأنه قال: فالمغفرة لا تنقص من عزك ولا تخرج عن حكمتك.
وأما قوله فى سورة الممتحنة:"ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم " فالجواب عندى هنا ان قوله: "إنك أنت العزيز الحكيم " مبنى على قوله: "لا تجعلنا فتنة للذين كفروا " فإن المراد لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيكون سبب فتنتهم فلا تفعل ذلك بنا فأنت القادر على كفهم ونصرنا عليهم فانك العزيز الذى الذى لا معارض لما تريده ولا مانع مما تشاؤه لما كان المؤمنون يعلمون أن ما يصيبهم من مصيبة إنما هى بما كسبت أيديهم سألوا المغفرة من مجترحاتهم وأورد سؤالهم مورد جمل الاعتراض فقدم وهو قوله: "واغفر لنا ربنا " فإن الكلام فى تقدير التقديم والتأخير: ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا إنك أنت العزيز الحكيم واغفر لنا ربنا، فقد قوله:"واغفر لنا ربنا " أثناء الكلام إحرازا لآدابهم ومعتقدهم الإيمانى فقد تبين حال المناسبة فى آية العقود وآية الممتحنة بين الآيتين وبين ما أعقبتا به وأنه لا يمكن على ما تقرر سواه والله أعلم بما أراد.
فإن قلت فما جوابك عما ذكر عن بعض المتأخرين من أن جواب قوله تعالى: