فالجواب عن ذلك والله أعلم: أن آية الأنعام لم يرد فيما تقدمها زيادة على ما أخبروا به من حالهم فى إنكارهم البعث ألا ترى أن بنيت الآية على ما تقدمها من قوله تعالى: "ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ... "الآية فكأن قد قيل لهم: إنكم كنتم تنكرون البعث ووجود هذه الحياة الأخراوية ولم يرد أثناء هذا ما يستدعى زائدا.
أما آية المؤمنين فترتب الوارد فيها من قولهم "نموت ونحيا " على ما تقدم من دعاء الرسل إياهم، وقد ذكر الامداد فى دنياهم الحامل على عتوهم وقولهم فى المرسل إليهم:"ما هذا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون " فلما طال هذا الكلام بما أغروا به سفهاءهم ناسب هذا الطول ما زيد هنا من قوله "نموت ونحيا " أى طائفة تموت وطائفة توجد.
وشأن ما يرد فى الكتاب العزيز مما ظاهره التكرر زيادة فائدة أو تتميم معنى أو لبناء غيره من الكلام عليه حتى لا يكون تكرارا عند من وفق لاعتباره.
وأما آية الجاثية فهى المفصحة بمرتكبهم الشنيع من إنكارهم فاعلا مختارا حين قالوا:"وما يهلكنا إلا الدهر " فزادوا إلى إنكارهم البعث الأخراوى إنكارهم توقف الموت على آجال محدودة للخلائق ووقوعه بإرادة وتقدير من الموحد سبحانه ثم أتبعوا شنيع مرتكبهم هذا بقولهم للرسل تحكيما لإنكارهم البعث: "فأتوا بآياتنا إن كنتم صادقين " أى إن كنتم صادقين فى أنا نحيى بعد الموت فأرونا دليلا على ذلك بإحياء من مات من آبائنا وبما ورد هنا من هذه الزيادة حصل التعريف بجملة مقالهم الشنيع واستوفته هذه الآية ما لا يتأتى فى غير هذا مما يتكرر.
الآية التاسعة قوله تعالى:"وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو " وهذه الآية الأولى مغفلة وفى هذه السورة أيضا "وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت " وفى الأعراف: "قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا " وفى سورة العنكبوت: "وما هذا الحياة الدنيا إلا فلهو ولعب " وفى سورة القتال: "إنما الحياة الدنيا لعب ولهو " وفى سورة الحديد: "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو " ففى آيتى الأنعام وسورة القتال وسورة الحديد تقديم اللعب على وعطف اللهو علي عليه وثبت فى الأعراف والعنكبوت بالعكس فقدم فيهما اللهو على اللعب والواو وان