للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل الفقر الحاصل حال قتلهم فقيل من إملاق أى من أجل الاملاق الحاصل ثم قيل لهم "نحن نرزقكم وإياهم "فقد رزقه تعالى لهم لحصول فقرهم فى الحال ليكون أمنع لهم وكأن السياق يشعر بتشفيع الأولاد فى رفع فقر الآباء القاتلين فكأن قد قيل لهم: إنما ترزقزن بهم فلا تقتلوهم، فتأكد تقديم كفار العرب وكان وأدهم البنات خشية الفقر المتوقع والعجز عن مؤنتهن فيما يتوقعونه مستقبلا فقيل "خشية إملاق " فجعلت الخشية هى العلية فى فعلهم، فانتصبت على ذلك، والمعلول الذى هو الإملاق لم يقع بعد وضمن تعالى لهم رزقهم ورزق أولادهم ودفع ذلك المتوقع ليرفع ذلك خشيتهم، فلهذا قدم هنا ضمير الأولاد ثم عطف عليه ضمير الآباء.

وكان الأهم هنا فقدم، وجاء كل فى الموضعين على ما يجب ويناسب، والله أعلم.

الآية الثامنة والعشرون قوله تعالى: "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون "، تلوها: "ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " وفى الثالثة تليها: "ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف فى المعلل به فى هذه الآيات؟

والجواب عن ذلك والله أعلم: أنه لما كانت الخلل الخمس فى الآية الأولى وهى: الشرك والعقوق وقتل الأولاد لأجل الفقر وارتكاب الفواحش وقتل النفس التى حرم الله بغير الحق، خمستها مما يدرك العقل ابتداء قبحها، ويستقل بدركها أعنى أن العقل يستوضح قبحها شرعا لبيان أمرها فى استقباح الشرع إياها، وإلا فالعقل عندنا لا يحسن ولا يقبح.

فلما كانت على ما ذكرنا أتبعت بترجى التعقل لأن السلامة منها لا تكون مع وضوح أمرها إلا بتوفيق الله تعالى ولذلك جاءت بأداة الترجى.

ولما كانت الخمس التالية لها وهى قوله: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن " إلى آخرها مما تؤثر فيه الشهوات والأهواء وذلك مما يعمى ويصم أتبع برجاء التذكر فقيل: "لعلكم تذكرون " ومن تذكر أبصر فعقل فامتنع، قال تعالى: "إن الذين اتقوا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون "، ولما كان مجموع هذه المرتكبات العشر مما اتفقت عليه الشرائع ولم ينسخ منها شئ وهى الحكمة التى من أخذ بها كان سالكا الصراط المستقيم الذى لا عوج فيه ولا أمت واتخذ أسنى وقاية من

<<  <  ج: ص:  >  >>