والتأكيد أو الإيجاز ألا ترى أن مجموع الكلم الواقعة من لدن قوله فى سورة الأعراف "ولقد خلقناكم " وهو ابتداء القصة إلى قوله: "قال أنظرنى إلى يوم يبعثون " بضع وأربعون كلمة، والوارد فى الحجر من لدن قوله:"ولقد خلقنا الإنسان " إلى قوله: "قال رب فأنظرنى " بضع وسبعون كلمة وفى سورة ص من لدن قوله "إذ قال ربك " إلى الآية بضع وستون كلمه، فقد وضح ما قصد فى الأعراف من إيجاز الاخبار فى القصة وما فى السورتين بعد من الإطناب ثم إنه ورد فى سورتى الحجر وص التأكيد بكل وأجمع فى قوله:"كلهم أجمعون " ولم يرد ذلك فى الأعراف فقصد ما قلناه وتناسب الإطناب والتأكيد ولاءم ما ورد من الزيادة فى السورتين الأخيرتين ولم يكن ليناسب العكس والله أعلم بما أراد.
فإن قلت ما وجه ورود القصة الواحدة موجزة ومطولة أخرى؟
قلت: ليحصل من ذلك الاطلاع على علىّ البلاغة وجلالة النظم وعلى فصاحة فى طرفى الإيجاز والإطناب، فإن الفصيح البليغ من البشر إن رام هذا لم يف فى الطرفين بما يريده ووضح التفاوت فى هذا بوجه.
فإن قلت فما وجه تقديم الموجز على المطول؟ قلت: شبه ذلك بالمجمل من الكلام والمفصل وإنما يريده التفصيل بعد الإجمال فهذا الجواب منزل على الترتيب الثابت، والله سبحانه أعلم بما أراد.
إن سأل سائل عن وجه اختلاف الوارد فى السورتين المحكى من قول إبليس مع اتحاد القصة فجوابه: أن المعنى الحاصل من قوله فى السورتين واحد لا إشكال فيه ثم اختلف التعبير عن ذلك بحسب ما تقدم فى كل واحدة من السورتين ومااستدعاه من المناسبة ولما تقدم فى الأعراف قوله تعالى: "اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم " والإشارة إلى القرآن لأنه يوضح الطريق إليه وهو الصراط المستقيم قال تعالى: "وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه " والاشارة بهذا إلى المنزل قرآنا لأنه مبين للصراط المستقيم الذى طمع اللعين فى الاستيلاء عليه وقطه سالكه فقيل عبارة عن مرامه