والملائكة وإنما لم يذكر هنا سوقها للبلد الميت لحصول ذلك من قوله بعد:"فتنظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها " فلو قيل أولا: "فسقناه إلى بلد ميت " لكان تكرارا فإذا تأملت ما ذكرناه وعظيم التنبيه مع جليل الإيجاز بحسب ما قصد وعلى البلاغة وموجب المزيد فى آية الروم وما يستدعيه المكتنفان لهما من قوله قبلها: "ومن آياته أن يرسل الرياح " وقوله بعدها: "فانظر إلى أثر رحمة الله ... "الآية وتحريك المعتبر ولم يذكر ذلك فى الأخريين ويتبين لك أنه لم ينقص منها شئ وإن كلا منها وارد على ما يجب ولم يكن ليناسب خلافه والله أعلم.
والجواب عن السؤال الخامس: أن قوله فى الأعراف: "سقناه لبلد ميت " وفى سورة الملائكة: "فسقناه إلى بلد ميت " لفارق بين الموضعين هو أن قوله تعالى فى الأعراف: "حتى إذا أقلت سحابا ثقالا " كلام يستدعى جوابا ألا ترى أنه فى قوة قول القائل: فلما استقلت السحاب بما فيها من الماء ومثل هذا فى استدعاء الجوابية لا توقف فيه وليس مما يجاوب بالفاء وإنما جواب ذلك مثل هذا مجردا فيه الفعل عن الفاء وغيرها قال تعالى: "حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم ريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف " فالجواب هنا قوله: "جاءتها ريح عاصف " وقال تعالى: "فلما جاءتهم ما عرفوا كفروا به " ومنه آية الأعراف المذكورة لا مدخل فيها للفاء لا التى تقع جوابا ولا العاطفة إذ ليس قوله تعالى: "فسقناه لبلد ميت " معطوفا على ما قبله أما قوله تعالى فى سورة الملائكة: "الله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها " فكلام معطوف بعضه على بعض بالفاء المقتضية الترتيب والتعقيب ليطابق اللفظ ما تحته من المعنى فلزمت الفاء هنا لاحتراز معناها وقد تقرر انها لا مدخل لها فى آية الأعراف فورد كل على ما يجب ولما استدعى لفظ "سقناه "المكان المسوق إليه وإنما يصل إليه بلام الجر أو بإلى عدى فى الإعراب بلام الجر فقيل "لبلد " ليناسب المجرور فعله الذى استدعاه فى الوجازة ولما طال الفعل فى الآية الأخرى بما لزمه من حرف التعقيب ناسبه تعديته بإلى إسهابا وإيجازا مقابل إيجاز وأما آية الروم ففيها زيادة التعريف بكيفية انفصال الماء من السحاب وانه يخرج من خلاله مقسطا على الأرض مجزءا ليستوى اليقى ويتناسب كسريان الغذاء فى الأبدان بعد تهيئته ولو صب من جانب دون ما أشار إليه التخلل لأضر ولم تحصل به المنفعة وهو زيادة فى الاعتبار وإطلاق على عظيم