والجواب عن السؤال الأول: أن المراد إراءتهم ما يرفع شكهم فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فكأن قد قيل: إن شككتم فى نبوته وتخصيصنا إياه بذلك فلتأتوا برجل منكم غيره يصدر عنه أو يأتى بسورة واحدة من نمط طا سمعتم من محمد صلى الله عليه وسلم وائتوا بشهداء يشهدون أن غيره قد سمع منه ما طلبتم به فإذا عجزتم عن ذلك مع التماثل فى الخلق والعلم بمقادير الكلام، إذ ليس بغير لسانكم المألوف عندكم فإذا عجزتم عن ذلك ولابد من عجزكم فاتخذوا وقاية تنجيكم من النار التى يخبركم أنها معدة لمن يكذبه فلما كان المراد هنا ما ذكرناه من التعيضية فى قوله تعالى:"من مثله " وأما الوارد فى سورة يونس فإنما أريد به ما يجرى مع قوله تعالى: "أم يقولون افتراه ".
فقيل لهم: إذا كان مفترى كما تزعمون فما المانع لكم عن معارضته فائتوا بسورة مماثلة للقرآن، فالمراد هنا نفى كلام مماثل للقرآن وإقامة الحجة عليهم بعجزهم عن ذلك والمراد فى البقرة نفى شخص يماثله صلى الله عليه وسلم فى أن يسمع منه ما يماثل سورة واحدة من مثل القرآن فى فصاحته وعجائبه، فاختلف المقصدان فى السورتين مع الائتلاف فى تعجيزهم عن هذا وهذا فلما اختلفا لم يكن بد من "من " فى الأولى لإحراز معناها ولم يأت فى يونس لحصول المعنى المقصود فيها دون من.
فإن قلت فإن "من " لا تمنع هذا المعنى المقصود فى يونس قلت: إذا كان المعنى يحصل بثبوتها وسقوطها على السواء فقد بقى رعى الإيجاز وهو مقتض سقوطها، أما المعنى المقصود فى البقرة فلا يحصل الا بمن فلم يكن بد منها هنا، فورد ذلك كله على ما يجب ويناسب.
والجواب عن السؤال الثانى: وهو قوله تعالى فى سورة هود: "بعشر سور " فإنه والله أعلم لما قيل مفتريات فوسع عليهم ناسبة التوسعة فى العدد المطلوب لأن الكلام المفترى أسهل فناسبته التوسعة.
أما الوارد فى السورتين قبل فلم يذكر لهم فيها أن يكون مفترى بل السابق من الآيتين الممثالة مطلقا فذلك أصعب وأشق عليهم مع عجزهم فى كل حال، فوقع الطلب حيث التضييق بسورة واحدة وحيث التوسعة بعشر سور مناسبة جليلة واضحة وقد جاوب بما هذا معناه بعض المفسرين.
والجواب عن الثالث: أنه وصف لهم المطلوب منهم هنا بأن يكون مفترى ليحصل عجزهم بكل جهة فلا يقدرون على وجود شخص مماثل له صلى الله عليه وسلم فى ظاهر الصورة الجنسية سمع منه ما يسمع من محمد صلى الله عليه وسلم ولا يقدرون على مثل سورة واحدة من سور القرآن.
ولما كان ظاهر هاتين الآيتين المماثلة مطلقا قيل بعد ذلك: