مذهبه الشنيع ومرتكبه ورجاء أن يعتقد الملأ من قومه أن آية موسى عليه السلام سحر لا توقف فيها فلم يقنع بقوله لملئه: أنه لساحر عليم وأنه يريد إخراجهم من أرضهم حتى سجل على ذلك وأكده طمعا فى قبول باطله بقوله "بسحره " ولا لم يكن حال الملإ من قومه كحاله فيما ذكر اكتفوا بقولهم لرسولهم وبعضهم لبعض: "إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم " فهذا قول الملإ والذى ثبت فى الشعراء قول فرعون وزيادة "بسحره " لتبين حال الملإ من حال فرعون المتولى كبير الأمور والتناسب بين وكل فى السورتين وارد على ما يجب وقد وضح أن العكس غير مناسب والله أعلم.
ويشهد أن زيادة "بسحره " من فرعون لزيادة حنقه تكرر ذلك من قوله فى سورة طه: "قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى " فأما بعد فى هذه السورة من قوله سبحانه مخبرا عن الملإ: "قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما " فإنما قالوه بعد تنازع وتعارض فيما بينهم وفرعون فى جملتهم يدل على هذا ما تقدم من قوله تعالى: " فتول فرعون فجمع كيده ثم أتى " وقوله: "فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى " وإنما أسروا نجواهم - بعد تنازعهم فى أعمال المكيدة - فيما حل بهم وفرعون مرجح لرأيهم وأبلغهم احتيالا وكيدا فيما تشاورا فيه فلم يمكنهم فى هذا المجتمع الا القول بما رآه بعد تنازعهم عليه فقالوه بتوقيف منه وهو حاضرهم حال تنازعهم وقولهم لموسى عليه السلام فإذا هو القائل لا الملأ وان الوارد فى الأعراف فقول الملإ إذ لا يقتضى قوله:"قال الملأ من قوم فرعون " أن فرعون هو القائل وان كان كذلك بل الظاهر السابق من هذه العبارة أنه قول الملإ منفردين عن فرعون والتناسب اللفظى هو المطلوب وقد تبين.
والجواب عن السؤال الثالث وهو ورود "وأرسل " فى سورة الأعراف وفى الشعراء "وابعث " فالجواب عنه مبنى على الترتيب الذى استقر عليه المصحف فنقول: "إن أرسل أخص فى باب الارسال من البعث إذ لا يقال أرسل الا فيما كان توجيها فيه معنى الانتقال حقيقة أو مجازا أما بعث فأوسع فإنه يقع بمعنى الارسال وبمعنى الاحياء ومنه البعث الأخراوى ففيه اشترك فلما كان الارسال أخص وقع الاخبار به أولا ثم وقع ثانيا بالبعث تنوعيا للعبارة وعلى الترتيب فى موضع اللفظ المطرد من القرآن ولا يمكن على ما تقرر من ذلك العكس ونظير هذا مما تقدم تبع واتبع ويذبحون ويقتلون وقد مر بيانه والإطراد واضح شاهد فى هذا.