طلبهم إياه وأخبروا أن لكل أمة أجلا لما شاءه الله وقدره لهم:"إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " فقد وضح وجه التقديم والتأخير فى الضر والنفع وتوجيه التعقيب بما أعقب كل من الآيتين.
الآية السادسة والعشرون قوله تعالى:" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم " وفى سورة حم السجدة [فصلت]: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " فوردت الصفتان فى سورة الأعراف على طريقة التنكير ووردتا فى السورة الأخرى معرفتين وزيد قبلهما الضمير الواقع فصلا فقيل: "إنه هو " وللسائل أن يسأل عن وجه التعريف والتنكير؟ وعن زيادة الضمير؟
والجواب عن السؤالين: أن سورة الأعراف تقدم فيها قبل الآية وصف آلهتهم المنحوتة من الحجارة والخشب التى وبخوا بعبادتها فى قوله فى موضع آخر: "أتعبدون ما تنحتون " فوصفت هنا بأنها لا تخلق شيئا ولا يستطيعون لهم نصرا "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون " فنفى عنهم القدرة والسمع والبصر وآلة المشى وآلة البطش بقوله: "ألهم أجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها " ولم يتقدم هنا ما يوهم أدنى شئ يلحقها بشبه الأحياء فضلا عما فوق ذلك فورد الصفتان بقوله: "سميع عليم " موردا لم يتقدمه ما يوهم صلاحية شئ من ذلك لغيره تعالى مما عبدوه من دونه مما قصد هنا ولا ذكر دعوى شئ من ذلك من مدع فيستدعى ذلك التوهم مفهوما ينفيه فجاء على ما يجب.
أما آية الأعراف فتقدم قبلها قوله تعالى:" ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون " وقوله تعالى: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " وقوله تعالى: "أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس " فحصل من هذا أن مضليهم إنما كانوا من عالم الإنس والجن وكلا الصنفين موصوف بالسمع والبصر وممن ينسب إليه علم بخلاف المقدم ذكر فى الأعرفا فلما تقدم فى سورة السجدة من يظن منه الغنى ويمكن منه أن يسمع ويبصر ويعلم ناسبه التعريف فى الصفة ليعطى بالمفهوم نفى ذلك عن غير الموصوف بهما تعالى ثم أكد ذلك بضمير الفصل المقتضى التخصيص فقوى المفهوم المسمى عند كثير من الأصوليين