غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (يوسف: ١٠٧)، ثم قال تعالى:(لْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(يوسف: ١٠٨)، ثم قال:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(يوسف: ١٠٩) فالكلام (بجملته في قوة أن لو قيل: ما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً من البشر أمثالك فكذبوا فهلك مكذبوهم وأخذوا كل مأخذ، فإن شاء هؤلاء فليسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة (الذين من قبلهم) ممن تقدمهم، فالكلام من حيث معناه في قوة الشرط والجزاء فورد بالفاء، وليس موضع الواو، ويشهد لهذا الغرض ويبينه قوله تعالى:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(النحل: ٣٦)، (أي) فإن شككتم فسيروا في الأرض، وعلى هذا المعنى كل ما ورد من هذا. ومن هذا القبيل آية سورة الحج، ألا ترى أن قبلها قوله تعالى:(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ)(الحج: ٤٢ - ٤٤)، ثم قال:((فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(الحج: ٤٥ - ٤٦)، أي فهلا ساروا في (الأرض) قاصدين الاعتبار فعقلوا بقلوبهم وانتفعوا بأسماعهم وأبصارهم، فعلى هذا المعنى لا مدخل لواو العطف هنا، وإنما الملائم الفاء لما تعطيه من السببيه والارتباط.
وأما الوارد في (آخر) سورة المؤمن فقد تقدم قبلها قوله تعالى: (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ)(غافر: ٨١)، ثم قال تعالى:(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(غافر: ٨٢) أي فهلا ساروا في الأرض (فاعتبروا بما) في الأرض من الآيات، قال تعالى:(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)(الذاريات: ٢٠)، فالمعنى على هذا وليس المعنى على العطف المجرد من معنى التسبب، فالموضع للفاء ولا لواو النسق.
وأما الوارد في سورة القتال فإن قبل الآية:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (٨) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: ٧ - ٩)، ثم قال:(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(محمد: ١٠)، فالملائم هنا الفاء لما في الكلام من معنى التسبب والتخصيص المحرزين هنا ما يلائم ويناسب مرتكبهم من التوبيخ، فالموضع للفاء المقصود بها ربط الكلام بما قبله.