به، إذ لم نتعبد من هذه الكتب إلا بالإيمان، فإنزالها ووجودها على الجملة على ما تقرر في شريعتنا، فكيف تقع الإحالة في الاعتبار عليهما ولم نؤمر باعتبارهما في حكم ولا أمر ولا نهي، وإن قلنا إن المراد بآيات الكتاب آيات السورة، وبالكتاب السورة، وبالذي أنزل إليك سائر القرآن، كما قال الزمخشري كان أقرب، وفيه نحو تحريم على المقصود من غير إفصاح مخلص، فأقول ونسأل الله توفيقه: إن الدلائل الاعتبارية على تفاصيلها منحصرة في منهجين بهما حصول التوحيد وإثبات الرسالة، وعلى مضمن تفاصيلها منحصرة في منهجين بهما حصول التوحيد وإثبات الرسالة، وعلى مضمن تفاصيلها دارت الآي الاعتبارية والتذكير في كتاب الله تعالى: أحدهما، ما يدرك بالحواس، وإطالة التفكير في الموجودات وارتباطها، ولحظ الابتداءات والانتهاءات، وتقلب الأكوان، (واختلاف الألسنة والألوان، وحركات الأفلاك وكواكبها الثابتة والسيارة)، واختلاف حركاتها في السرعة والبطء، وخنوس الخمسة منها ومطارح شعاعها، ومقادير الأزمان، وتقلب النهار والليل بالطول والقصر، وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل، وتعاقب الفصول بالحر والبرد، وتسخير الرياح، وما في ذلك كله من عليّ الإحكام وجليل الإتقان، إلى ما يرجع إلى ذلك مما تستقل به العقول وتجزم بدلالته، والمنهج الثاني: ما يرجع الاعتبار به إلى المأثور من أحوال الأمم والقرون المتقدمة، ودعاء الرسل إياهم وما كان من أخذ تكذيبهم حين تمردوا وعتوا، فكر أخذ بذنبه، ونجاة المؤمنين من كل أمة. فعلى هذين المنهجين دارت آي الكتاب العزيز المنطوية على تذكير العباد وتحريكهم للاعتبار، فمن الأولى قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(البقرة: ٢١) إلى قوله (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة: ٢٢)، وقوله تعالى:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) إلى قوله (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(البقرة: ١٦٤)، وقوله:(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(الجاثية: ٣)، وقوله تعالى:(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ)(الذاريات: ٢٠ - ٢١)، إلى ما يجاري هذه الآي مما يشير إلى دلائل الآفاق ودلائل الأنفس وما يرجع إلى ذلك من دلائل التوحيد والتذكير به، فالربع الأول من القرآن أكثر، ثم يليه في ذلك الربع الثاني، كما يكثر التذكير في الثاني (بما ورد في المنهج الثاني)، وإنما ذلك - والله أعلم - لأن الضرب الأول معقول ومستنده ضروري لأن مباديه حسية وبه اعتبر من انتهى إلى علم من الأوائل ممن كان في الفترات، فمنهم المصيب والمخطيء، وهو معتبر منصوب للعالم من لدن وجودهم إلى قيام الساعة، لا يضطر فيه إلى نقل ناقل ولا الاعتبار به من حيث الدلائل يتنزل النظر في آيات الرسل وما جاؤوا به متحدين، وتعرف الخارق للعادة من غيره، فلهذا - والله أعلم - تقرر هذا الضرب مبدوءاً به في الترتيب الثابت عليه المصحف وأتبع بالضرب الآخر على مقتضى الاعتبار،