من القصة مجملا ما إذا اعتبر وفي بأتم ما يحصل المعتبر به على أعلى مقصود موف بخلاصة وذلك إلى قوله:(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)(النمل: ١٤)، ثم أتبع بقصة داود وسليمان وما استجر ذلك من قصة بلقيس وما تلاها، ثم أعقب بعد بالضرب الآخر، فقال تعالى:(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)(النمل: ٦٠) إلى قوله: (بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ)(النمل: ٦٦). ولما لم يقع في سورة الرعد الضرب الأول - كما تقدم - لم يرد فيها من آي الاعتبار إلا ما هو منه، ولم يقع في السورة غير ذلك، فقد بان بحول الله ما اعتمد جواباً عن السؤال الثاني، ووضح التناسب وجلالة النظم، (ومع وضوحه لم أقف على من استقرأه من هذه السورة منا بينته، ولا توقف فيه والحمد لله على ما ألهم إليه من ذلك).
ثم أعلم بعد أن ما اعتمدناه من هذا المأخذ لم ينفرد فيه إذا حقق بغير التمهيد وإيراد النظائر وبيان ما أجمله غير واحد ممن تقدم من المفسرين على اختلاف ترجمتهم عما تضمنه، فمنها القريب ومنها البعيد، وكل منها: إذا أمعن فيه النظر ربما أدى إلى ما تقرر، ولم أنفرد عنهم إلآ بتوجيه النظر على ما اعتمدته، وإظهار المناسبة، وإبداء شواهد ونظائر لما اعتمد. فمن ذلك ما تردد للمفسرين من قوله تعالى: في سورة البقرة: (ذَلِكَ الْكِتَابُ)(البقرة: ٢)(من) مأثور ما حكوه عن من تقدمهم من أن الإشارة إلى اللوح المحفوظ، وذكر ذلك ابن عطية وغيره من غير تعرض لزيادة، ونسبوا ذلك إلى ابن جبير، وقال بعضهم في قوله تعالى في سورة النمل:(تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ)(النمل: ١)، قال: المراد بقوله: (وَكِتَابٍ مُبِينٍ)(النمل: ١) اللوح المحفوظ وذكره الزمخشري، ولا شك أن هنا إيماء (إلى) ما تقدم بسطه، وزاد الزمخشري على هذا ما ذكره في سورة الرعد من أن المراد (بآيات الكتاب العزيز) آيات السورة، (والذي أنزل إليك) سائر القرآن، وهو نحو ما قلناه، ألا ترى أن آيات السورة لم تخرج عن الضرب الاعتباري المدرك لكل ذي عقل سليم على ما تقدم وما نبنية بعد، وتلك آيات اللوح وأم الكتاب، فهذا ما قلناه وقد أطنبنا فيه (من) الوارد في سورتي الحجر والنمل ما شهد بأنه المقصود قطعاً. وقال بعضهم في قوله تعالى في سورة البقرة:(ذَلِكَ الْكِتَابُ) أنه واقع على القرآن وعلى الكتاب الذي هو اللوح المحفوظ، ثم قال بعد مستدلا: ذلك إشارة إلى غائب، يعني أن ذلك إنما يشار به إلى البعيد الغائب، ولو ضوح إدراكه صحت الإشارة إليه، ثم قال بعد واسم الكتاب غيب ولذلك حسن فيه ذلك، ثم استدل على أن الإشارة إلى اسم الكتاب الذي هو اللوح المحفوظ في القرآن الحاضر المتلو على ألسنتنا قد ارتاب