للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) (طه: ٤٣ - ٤٤)، فلم تكن إعاجى اسمه ظاهراً مع الاتصال والقرب، إذ لم يفصل بين ظاهره ومضمره إلا كلمتان. أما آية الشعراء فقد اجتمع فيها أمران: أحداهما الفصل بين مضمر الاسم وظاهره، مع إتيان الظاهر مضافاً إليه فضلة إلى ما ذكر إليه من الفصل ببضع وعشرين كلمة، والثاني أن أمر موسى، عليه السلام، أولاً إنما ورد بإتيان قوم فرعون، قال تعالى: (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ) (الشعراء: ١٠ - ١١)، فقد يتوهم أن الجاري على هذا أن لو قيل عوض قوله: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ) فأتياه، إلا أنه لم يقصد إلا ذكر متبوعهم، فلم يكن بد من الإفصاح باسمه غير مضمر.

وأما قوله تعالى في الأولى: (فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ) (طه: ٤٧) بتثنية لف الرسول فوارد على اللغة الشهيرة، أما قوله في الثانية: (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء: ١٦) فعلى لغة من يقول رسول للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وعلى ذلك قول الهذلي:

ألكني إليها وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخبرَّ

فورد (الأول) في الترتيب على اللغة الشهيرة، والثاني على اللغة الأخرى على ما تقدم في مثل هذا، وعكس الوارد مخالف للترتيب ولا يناسب.

وأما قوله: (إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ) بإضافة اسمه تعالى إلى ضمير الخطاب، فإنه يناسب من حيث ما فيه من (التلطف) والرفق لما تقدمه من قوله تعالى (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) (طه: ٤٤)، وقد تفسر هذا القول وتبين ما فيه من التلطف بقوله تعالى في سورة النازعات: (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) (النازعات: ١٨ - ١٩)، وناسب هذا ما بنيت عليه سورة طه من تأنيس نبينا صلى الله عليه وسلم وتأميس موسى كليمه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (طه: ١٣) وما بعد إلى قوله تعالى: (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) (طه: ٣٦) وما بعد، فلما كان بناء هذه السورة بجملتها على التلطلف (والتأنيس ناسب ذلك ما أمر به موسى، عليه السلام، من دعاء فرعون آنسه وألطفه)، وأمر موسى، عليه السلام، وأخوه هارون بذلك فقيل لهما: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)، وجرى على ذلك (قوله): (إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ)، فأشعرت هذه الإضافة بالتلطف الرباني، ولما لم تكن سورة الشعراء مبنية على ما ذكر، وإنما تضمنت تعنيف فرعون وملئه وإغراقهم وأخذ المكذبين للرسل بتكذيبهم، وهذا في طرف من التلطف، ورد فيها: (فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>