الشرائع، ولم يخالف فيها أحد من العقلاء، وهي: حفظ النفوس، والأموال، والفروج، والعقول، والأعراض.
وأما الأمانة فلا يتم حفظ هذه الخصال إلا بها، فهي الأصل لتلك الأصول، والضابط لجميع التكاليف، وزمام الأديان، وفي الحديث:(الدين الأمانة ولا دين لمن لا أمانة له)، وهي التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبت عن حملها، وهي بالجملة ملاك الددين.
وأما الوفاء بالعهد فلاحقُ بالأمانة في نصاب التأكيد، قال تعالى:(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ)(الإسراء: ٣٤)، وتكرر الأمر بذلك لعظيم قدر الأمانة و (العهد).
وأما المحافظة على الصلوات، رعياً لأوقاتها، وكيفية أدائها، وما تنظوي عليه من جميع مطلوباتها ومتعلقاتها، وما تستلزمه وتستتعبه حتى تكون ناهية عن الفحشاء والمنكر، فذلك كل الدين، والمعبر به عن أخص صفات الناجين في قوله تعالى إخباراً عن جواب الهالكين:(قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)(المدثر: ٤٣)، فموقع هذه الخصال الأربع وضمها لما سواها من المطالب الإيمانية، واشتمالها على جميعها، أوجب تعيينها بالذكر، ولم يكن ليحصل من ذكر غيرها ما حصل من التنصيص عليها فتكررت في السورتين، ونص فيهما عليها لأنها أمهات لما سواها.
فإن قلت: فإن الزكاة شقيقة الصلاة في التأكيد لأنها أم العبادات المالية، ولهذا قاتل أبو بكر مانعيها ورجع الصحابة، رضي الله عنهم، إلى قوله، وقل ما يرد الأمر بالصلاة في كتاب الله إلا مقروناً به الأمر بالزكاة، قال تعالى:(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)(التوبة: ٥)، وهذا هو الذي تهدي إليه الصديق، رضي الله عنه، غير متذكر في الوقت والله أعلم للآية، وإذا وضح ذلك فللقائل أن يقول: فلم لم تذكر مع أنها من الأمهات؟ والجواب عن هذا - والله أعلم - أن وصف الحق بمعلوم في قوله:(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) جار مجرى الإفصاح بذكر الزكاة، إذ لا مطلوب معلوماً مقدراً في المال إلا الزكاة، فقام الوصف مقام الإفصاح بذكرها.
والجواب عن السؤال الثاني، وهو وجه ما خصت به آية المؤمنون، وهو أنه افتتحها تعالى بقوله:(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)، والمفلح الظافر ببغيته، ابتداء من أوصاف المفلحين بأجل خصالهم، وهو خشوعهم في صلاتهم المنبئ بعظيم خوفهم الذي لا يمكن معه