للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (الصافات: ٨٣ - ٨٧)، يسأل عن زيادة اسم الإشارة في قوله: (مَاذَا تَعْبُدُونَ) وسقوطها في سورة الشعراء؟

والجواب عن ذلك أن قصص الرسل، عليهم السلام، مع أممهم لم تأت في القرآن العظيم على نهج واحد في الدعاء والجواب والمراجعة والمحاورة، ولا يمكن ذلك لاختلاف طباع الأمم وأغراضهم واختلاف الحالات، ولكل مقام مقال، فمرة ترد القصة على الدعاء وإبداء الحجة والتوبيخ من غير ذكر شيء من جواب المدعوين سوى الإخبار بتكذيبهم، ومرة يورد من مقالات الأمم لرسلهم اليسير، ومرة يمد إطناب الكلام في المحاورات بين الرسل والأمم.

فمن الضرب الأول قول إبراهيم، عليه السلام، في سورة الصافات: (مَاذَا تَعْبُدُونَ) إلى آخر القصة، ولم يرد فيها كلمة واحدة من مراجعتهم له سوى الوارد من قولهم: (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) (الصافات: ٩٧)، وليس هذا بمراجعة له ولا جواباً على كلامه، عليه السلام.

ومن الضرب الثاني آية الشعراء فإنه ذكر فيها جوابهم بقوله تعالى مخبراً عنهم: (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) (الشعراء: ٧١)، ثم لما سألهم، عليه السلام، تقريعاً لهم وتوبيخاً فقال: (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) (الشعراء: ٧٢ - ٧٣) جاوبوا بقولهم: (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (الشعراء: ٧٤).

ومن الضرب الثالث قصة شعيب، عليه السلام، في سورة هود وأشباهها، وتأمل القصص الواردة في القرآن تجدها جارية على ما ذكرته، فلما كان في آية الصافات دعاء إبراهيم، عليه السلام، لهم مبيناً حالهم الشنيع وسيء مرتكبهم ممتد الإطناب فيما يقطع بهم من قوله: (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) (الصافات: ٨٦) وقوله: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) (الصافات: ٩٥)، وعيوا بالجواب ولم يحك عنهم غير قولهم: (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) (الصافات: ٩٧)، ناسب ذلك زيادة اسم الإشارة، ولما كانت آية الشعراء واردة على غير هذا النهج ناسب سقوط اسم الإشارة فقيل: (ما تعبدون) ولم يقل (ماذا) كما في آية الصافات، ومن المفهوم عن العرب أن المستفهم إذا قصد التقريع والتوبيخ أطال كلامه إدلاء بحجته وتعنيفاً لمن يخالفه، والمقهور أبداً محصور.

وقوله: (ما تعبدون) جملة تقدم فيها المفعول وهو ما الاستفهامية، فهو في موضع نصب بالفعل بعدها، وقوله في الآية الأخرى: (ماذا) استفهام أيضاً ركبت فيه (ما) مع اسم

<<  <  ج: ص:  >  >>