للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه ذلك، والله أعلم: أن الآية الأولى معقب (بها) قصة زينب أم المؤمنين وزيد بن حارثة، رضى الله عنهما وما جرى في ذلك إلى أن تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهذه الآية تأنيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، وإعلام له أن تلك سنته سبحانه في عبادة التي شاءها وقدرها حكماً ثابتاً فيمن تقدم من الرسل والأنبياء ومن اهتدى بهديهم، فلا حرج عليك يا محمد فلا تصغ إلى قول منافق (يقول) تزوج محمد حليلة ابنه، فإن زيداً ليس ابنك: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) (الأحزاب: ٤٠)، وأنا شئت تزويجك إياها وحكمت به في سابق عملي بعد تطليق زيد لها وانفصاله عنها: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) (الأحزاب: ٣٧) ليعلم أن تلك سنتك وسنة أمتك بعدم (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا) (الأحزاب: ٣٧)، فهذه الآيات تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم، وتلسلية له عن خوض المنافقين، وتنزيه لقدره العلي وتبرئة من كل متوهم فيه أدنى نقص، ورفع لما يتوهم ويقدر وليس على ظاهره السابق من قوله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) (الأحزاب: ٣٧). فهذه آية تعلق (بها) من كان في قبله مرض وتهجموا على باد من مفهومها، فقالوا: إنه عليه السلام رآها فمال إليها وأحبها في حكاية ذكرها المفسرون، يبطلها ويردها المقطوع به من أن زينب نشأت معه، ولم يزل يراها لمكان قرابتها منه، وقوله لزيد عتيقه الذي أنهم عليه بالعتق: اتق الله - يريد اتق الله فيما تذكر عن زينب، لأن زيداً نسب إليها نشوزاً وتوقفاً عن طاعته، فأمره بتقوى الله في أمرها والتثبت فيما يحكيه عنها مما كان يظنه نشوزاً، وكانت زينب، رضى الله عنها، أعظم قدراً من أن تقع في معصية النشوز عمداً، ولكن الزوجين يطلب كل منهما غاية في الوفاء يرى عند غلبة (حب) هذا المطلب عليه ما يقتصر عنه نشوزاً، ففي الجاري من هذا قال له عليه السلام، اتق الله، وأخفى عنه ما كان تقدم له الإخبار به بالوحي من أنه سيطلقها وأنه، عليه السلام اتق الله، وأخفى عنه ما كان تقدم له الإخبار به بالوحي من أنه سيطلقها وأنه، عليه السلام، سيتزوجها، فهذا الذي أفخفاه، عليه السلام، في نفسه ولك يتكلم به حتى أبداه الله، وقوله تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ) أي تخشى كلام المنافقين وقولهم إن محمداًَ تزوج امرأة ابنه، من حيث كان، عليه السلام، قد تبناه قبل الوحي، وقصة ذلك معروفة مشهورة، فكانوا يقولون: زيد بن محمد حتى نزل قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) (الأحزاب: ٥)، فقيل له، عليه السلام، وقد أدرك الاستيحاء من أن يتكلم المنافقون بذلك وخشية منهم فقال له: لا تخش أحداً إنما جريت في ذلك كله

<<  <  ج: ص:  >  >>