للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: ١٠) وقال تعالى: (وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) (القصص: ٨٠)، وأحوج الخلق إلى الصبر الرسل، عليهم السلام، لعظم ما يلقونه من مكابدة الخلق، فلشدة الحاجة إلى الصبر ما تكرر في عدة آيات أمراً له عليه السلام، ولأمته.

والجواب عن السؤال الثاني: أن أمره، عليه السلام، بالاقتداء بالرسل قد ورد وتكرر في غير أية، وتردد أيضاً أمره بالاقتداء بأبيه إيراهيم، عليهما السلام، لعظم مقام إبراهيم وجليل خلته وابوته وتنبيهاً للعرب لرجوعهم إليه انتساباً وإعترافهم مقرين بتعظيمه.

وأما تخصيص السور الثلاث بتعيين ما ورد فيهما فلما نذكره من الوجه الحامل والمناسبة في النظم، أما سورة ص فوجه إختصاصها فيها إلتئام نظم الآية بما تقدمها، وإرتباط قوله تعالى فيها: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ) (ص: ١٧)، بما اتصل به من قوله (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) بيان النظم في ذلك وإلتئامه أوضح إلتئام، إن الله سبحانه لما ذكر حال العتاة من كفار قريش وشنيع مقالهم لنبيه، صلى الله عليه وسلم، من لدن قولهم (سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (ص: ٤) إلى ختمهم ما ذكر تعالى من سوء مراجعتهم بقولهم إستهذاء وتكذيباً: (عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) (ص: ١٦) أتبع ذلك ملاطفة وتأنيساً لنبيه، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) (ص: ١٧) (تذكيراً له بأن الجاري من ذلك إنما هو على ما شاءه لهم في أزله وقدره عليهم، فليس خارجاً عن إرادته، فكأنه يقول لنبيه، عليه السلام، أصبر على ما) يرد منهم وما يقولونه فإنه مرادي منهم في سابق قدري، ولو شئت لهديت قلوبهم وسخرتها لإجابتك، فقد سخرت الجبال مع داود والطير وإلنت له الحديد وقبل الادمي ألين وأقرب: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) (السجدة: ١٣) فإذا علمت أن قلوبهم بيدي اقلبها كيف شئت، فأصبر على ما يقولون، واعتبر بما سخرته لداود وأقتد لما منحته من الايد والقوة، فهذا وجه النظم والارتباط في هذه الآي، والله أعلم.

وقد تعرض أبو الفضل بن الخطيب في تفسيره الكبير لتوجيه النظم فيما قدمناه فقال: إن قيل أي تعلق بين قوله تعالى: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ): ((وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ) قولنا: من وجوه.

الأول: كأنه قيل: إن كنت قد شاهدت من هؤلاء الجهال جرائتهم على الله وإنكارهم الحشر والنشر فذكر قصة داود حتى تعرف شدة خوفه من الله ومن يوم الحشر فإنه بقدر ما يزداد أحد الضدين شرفاً يزداد الأخر نقصاناً. أنتهى معنى كلامه. قلت وهذا الذي حكاه ضعيف، لأن هذا الكلام يثمر التعجب من فعل الله سبحانه ولا يثمر تسلية ولا تأنيساً وهما أنسب في الموضع وذكر وجهاً ثانياً وهو أنه كأنه قيل لنبيناً، صلى

<<  <  ج: ص:  >  >>