مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (ق: ٦ - ٧) إلى قوله في ماء السماء: (وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ)(ق: ١١)، فبعد العدول عن جوابتهم في قولهم:(ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) وذكر اختلاطهم المسبب عن تكذيبهم وتجبرهم المعبر عنهم بقوله: (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ)(ق: ٥) أي مختلط، صرف تعالى الكلام إلي نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فقال:(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ)(ق: ٦) إلى قوله: (وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا)(ق: ١١) وذلك كله مدرك مشاهد لهم، لا يمكنه التوقف في شيء منه، ولا حفظ عنهم إنكاره، فعند تكرر هذا قال تعالى:(كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) فهذا - والله أعلم - أقرب فيما ذكره أبو الفضل فزعم أن العقلاء يرتكبونه.
وأما الوارد في سورة ص فيبعد - والله أعلم - أن يكون من هذا، ثم أن القول بأن الوارد في سورة ص من قوله:(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ) أجنبي عما قبله، وغير مناسب البته، وأنه إنما أوتي به لما ذكر من شغل الخصم المتعصب عن ذلك الوجه الذي ذكر بعيد بالكلية، وإن ورد شيء مما يمكن أن يقال أنه من ذلك الضرب فلا أنسب أن يكون منه الوارد في سورة ق لا الوارد في سورة ص، وإذا تأملته وضح لك ذلك، وأن الوجه في نظم الكلام ماقدمته أولاً وهو مما لا غبار عليه، والله أعلم.
وقد تعرض الزمخشري لما تقدم في هذا الآي، فأجاب عن ذلك بما جرى فيه على شنيع المرتكب وسوء الأدب، بناء على استبداد العبيد، وفعلهم ما لا يرضاه الخالق سبحانه ولا يريد، فجعل لله شركاء، وأفرد العباد بأفعالهم واستبداداً أو ملكاً، فأجاب بناء على ما اتصل، وما وفق في هذا الموضوع لوجه المطابقة ولا حصل، فإن قلت كيف تطابق قوله:(اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ) حتى عطف أحدهم على صاحبه؟ ثم (قال): قلت: كأنه قال لنبيه صلى الله عليه وسلم، اصبر على ما يقولون، وعظم امر معصية (الله) في أعينهم بذكر قصة داود، وهو أنه نبي من أنبياء الله تعالى قد أولاه ما اولاه من النبوة والملك لكرامته عليه ورأفته لديه، ثم ذل ذله فبعث الله الملائكه ووبخه عليها على طريق التمثيل والتعريض، حتى فطن لما وقع فيه فاستغفر ربه، وأناب، ووجد منه ما يحكي من بكاءه الدائم. وغمه الواصب، ونقش جنايته في بطن كفه حتى لا يزال مجدداً للندم عليها، فما الظن بكم مع كفركم ومعاصيكم؟ أو قال له صلى الله عليه وسلم: اصبر على ما يقولون، وصن نفسك، وحافظ عليها إن تذل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل آذاهم، وأذكر أخاك داود وكرامته على الله كيف ذل تلك الذلة اليسيرة فلقي من توبيخ الله ونسبته