قال تعالى قاطعاً بهم في احتجاجهم (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ)(الطور: ٣٠)، وقد عرفوا أن ما جادلهم به ليس بشعر، ثم قال تعالى:(أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا)(الطور: ٣٢)، ومن المعلوم الذي قد علموه هم أن عقولهم لا ترجع ذلك من مقالهم فكيف تأمرهم به؟ ثم قال:(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ)(الطور: ٣٣) أي فإن قالوا - فليأتوا بمثله وعجزهم عن ذلك قاطع هذا التعليق، ثم قال:(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ)(الطور: ٣٥)، وقد كذبوا أنفسهم بهذا واعترفوا بخلق الله تعالى إياهم:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)(الزخرف: ٨٧)، ثم قال:(أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)(الطور: ٣٥)(أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)(الطور: ٣٦)، وقد أخبر تعالى عنهم بقوله:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)(لقمان: ٢٥) فلا تعلق لهم بشيء من هذه المرتكبات لتكذيبهم أنفسهم وكل ما يقدر أن يتعلقوا به من المذكور بعد هذا من قوله: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ)(الطور: ٣٧) إلى قوله: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)(الطور: ٤٠) لا توقف في اضحلال تعلقهم به، فلم يبق بعد وضوح الحق إلا الضلال ولما بلغ المتقرر من رد متعلقاتهم الغاية في قطع كل متوهم من متوهماتهم المفروضة قال تعالى:(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ)(الطور: ٤١)، وهذا آخر ما يتوهم متعلقاً لهم وإن لم يقولوه، فلم يبق لهم إلا أعمال المكيدة فأخبر تعالى أنهم:(هُمُ الْمَكِيدُونَ)(الطور: ٤٢)(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)(القمر: ٤٥)، فقد وضح وجه تعقيب آي سورة الطور بهذه الآية.
ولما كمل في سورة (نوالقلم) ذكر كل ما يمكن تعلقهم به، واستوفي ما قد وقع منهم وما يشبه ذلك مما لم يقولوه لبعده كادعاء اطلاع الغيب واستراق السمع، وادعاء خلق السماوات والأرض، وإيجادهم من غير صانع مريد مختار قادر، أو أن خزائنه سبحانه عندهم، فلما لم يبق ما يتوهم إمكان تصوره، وانقطع تعلقهم، وتبين أن توقفهموامتناعهم عناد بّين، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)(القلم: ٥١)، فأرغمهم وفضحهم وأعقب الآية من قوله:(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ)(القلم: ٤٧) في سورة القلم بالأمر بالصبر لكمال ما قصد من قطعهم بكل جهة واستيضاح تمردهم من بعد ما تبين لهم الحق إلا الصبر عليهم حتى يحكم الله فيهم بما شاء، وقال له تحذيراً من أنن تدركه السآمة والضجر:(وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ)(القلم: ٤٨) وبان أيضاً وجه هذا التعقيب.
ولما كانت سورة الطور متقدمة في الترتيب المستقر، وورد بعدها في سورة القلم ما