للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما تقتضيه من معناها كذلك، ولا تعارض بين المقصدين، والإيجاز مقتض حصول المعنيين فجئ بما يحرزهم بأوجز لفظ وأبلغ عبارة، والله أعلم.

فإن قلت: فإن التعبير " بعند" قد ورد من الضرب العام من الغيب قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) (الأنعام: ٥٩)، وهي استعارة عبر بها عن التوصل للغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفاتح إلى المغيب عن الإنسان مما لا يصل إليه من ليست عنده مفاتحه، وقد دخل ذلك تحت حكم " عند" ومقتضاها من الاختصاص، مع أن الآية لم يرد فيها خصوص على علم الساعة على ما تقدم. فالجواب أن هذا مما يزيد ما تقدم وضوحاً إذ قد تبين قبل أن المراد من ذكر الغيب في كتاب الله ضربان. أحدهما خاص وهو المراد في سورة الجن وغنه لا مطمع لأحد من الخلق في الوصول إلى شئ منه على ما مر في ذكر الآية، والثاني عام على ما تقدم والوصول إلى علمه علم استيفاء وحصر بجزئياته مقدراً وغاية وتيقنا لذلك كله جملة وتفصيلا ممنوع، فهو لاحق من هذه الجهة بخصوص الضرب الأول، فلا يحيط بعلمه على ما تبين إلا الله تعالى، فحق لهذا الضرب إذا أريد به ما ذكرنا من الدخول تحت حكم " عند" وهو المراد بهذه الآية، ألا تري أنها مفصحة بذلك في قوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام: ٥٩) فقد وفت هذه الآية بتفاصيل المغيبات وحصرها والإحاطة بها بكل جهاتها ولا يعلمها على ذلك إلا الله سبحانه.

ولنتبع هذا بكلام من تعرض لبسط المراد من آية الجن فأقول: وقع في التفسير المنسوب لفخر الدين أبي الفضل بن الخطيب رحمه الله، بعد تقرير مفهوم آية سورة الجن وأن أراد وأن المراد بها ما تقدم من التخصيص، فقال في رده على الزمخشري ومن قال بقوله في إنكار كرامات الأولياء واستجراره مع ذلك إنكار التكهن والتنجيم وما يرجع إلى هذا، ودعواه أن هذا نص القرآن تعلقاً بهذه الآية، فقال أبو الفضل رداً على من ذكرت: واعلم أنه لابد من القطع بأن ليس مراد الله من هذه الآية أنه لا يطلع أحداً على شئ من المغيبات إلا الرسل، بدليل ما ثبت من الأخبار القريبة من التواتر أن شقا وسطيحاً كانا كاهنين، وإخبارهما بظهور نبينا محمد صلي الله عليه وسلم، (وتعيين زمانه، وشهرتهما بهذا العلم حتى رجع إليهما كسرى في تعرف أخبار نبينا صلي الله عليه وسلم)، فثبت أنه تعالى قد يطلع على ما يشاء من الغيب غير الرسل. ودليل ثان وهو أن جميع أرباب الملل والأديان مطبقون على صحة التعبير، وأن المعبر يخبر عن وقوع الأشياء الآتية في المستقبل فتقع كما أخبر. ودليل ثالث وهو أن الكاهنة البغدادية التى نقلها السلطان سنجر بن

<<  <  ج: ص:  >  >>