الفرق بين أحد وواحد أن الواحد المنفرد بالذات والأحد المنفرد بالمعنى ومنه في أسمائه تعالى: الواحد - الأحد. وقيل واحد اسم لمفتاح العدد ومن جنسه وأحد لنفي ما يذكر معه من العدد، وقيل أحد يدل على محض الوحدة، ألا ترى أنه ناف لما يرد معه يريد في نحو قولك: ما أتانى أحد لانتفاء الواحد وما سواه، بخلاف قولك: ما أتانى واحد إذ قد يحتمل أن يراد أنه أتاك أكثر من واحد، وقد تقدم هذا، ولا يحتمل ذلك قولك: ما أتانى أحد. ومن المعلوم المطرد أن حكم اللفظ المنفى لا يغاير موجبه في غر ما اقتضته أداة النفي ن وأن يبقي الكلام فيما عدا حكم النفي على ما كان ولا يتغير منه شئ سوي انتقاله من الإيجاب إلى النفي، وكذلك الحكم في كل أداة تدخل على لفظ الواجب من ثمن أو استفهام أو عرض أو غير ذلك، هكذا كلام العرب. ولفظ أحد لا يتناول بوضعه غير الوحدة فلو تكلم به في الواجب فقيل جاءني أحد لكان معناه: أحد لا ثاني له بوجه، ولو قلت: جاءني واحد لم يلزم فيه ذلك بل كان يحتمل أن تريد: جاءني واحد يعتد به ويعتمد، ولم ينتف أن يجيء معه من لا يعتد به أو يعتمد عليه، إذ ليس يمنع بوضعه الزائد على واحد إذا غايره من حيث ذكر. فإذا تقرر أن حكم أحد من مقتضى الوحدة ما ذكر، تبين أنه لايتصور ولا يصح بمعناه في واجب حيث يراد المخلوق المحدث، لأن كلا من المخلوقات له النظير والمثيل، حتى إن المتباعدات والمتباينات متماثلة من حيث الافتقار وانسحاب سمات الحدوث ودلائل عدم الاستقلال إلى غير ذلك من شواهد الحدوث، فكلها لا تنفك عن وجود النظراء والأنداد، فلم يصح وقوع لفظ أحد في كلام واجب يقع فيه لفظ أحد لمخلوق لما تبين، وصح ورود ذلك في حق الخالق جل جلاله لانفراده بالوحدانية وتنزيهه عن النظير والمثيل، فورد لفظ أحد حيث صح معناه من الكلام الواجب، (وأمتنع) حيث لا يصح معناه. أما غير الواجب فيصح فيه معنى أحد لصحة معنى الكلام، لأنك إذا قلت: ما أتاني أحد انتفى كل ما يمكن وصفه بالإتيان بمقتضى العموم، فانتفي ما وقع عليه لفظ أحد وانتفي النظير والمثيل، وصح هذا في المخلوق. بخلاف أن لو قلت: أتاني أحد فإنك فيه تتكلم بما لا يصح معنى ولا يعقل، إذ ليس في المخلوقات من لا مثيل له.
فلما كان لفظ أحد بالنظر إلى المخلوقين يصح معناه في غير الواجب ورد من كلامهم حيث يصح معناه وامتنع حيث لا يستقيم معناه، ووضع قول أئمة اللسان أنه لا يرد في الواجب، يريدون في محاورات المخلوقين وتخاطبهم، إذ لا يصح معناه هناك، فأما في حق الخالق جل جلاله فهو موضعه الذي يصح فيه ولا يتعداه، ولم يتعرض النحويون لعلة امتناعه في الواجب، بل اكتفوا بتقرير السماع من غير تعرض للعلة، إذ لا يبني لهم على ذلك قانون تتسع جهاته وتنتشر مسائلة. وإذ وضحت العلة تبين وجه وروده في السورة الكريمة، ولم يحتج إلى ادعاء اشتراك ولا تأويل، والله أعلم.