أنشده النحويون على إلحاق تاء التأنيث بثم وأنشده الزمخشرى ومثل ذلك:"ثم كان من الذين آمنوا " قال: جاء بثم لتراخى الإيمان وتباعده فى الرتبة والفضيلة عن العتق والصدق لا فى الوقت لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره ولا يثبت عمل صالح إلا به.
فثم حيث لا يقصد مهلة الزمان تحرز تنبيها على حال ما يعطف بها ومحله والإشارة إلى أنه بحيث أنه لو لم يذكر ما قبله لكان كافيا فى المقصود هذا ما تحصله حيث لا يقصد مهلى الزمان فلما قصد فى آية الزمر الإنعام والامتنان وتعداد ذلك تعظيما وتفخيما ورد بثم، فقال تعالى:"خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزاوج ".
فإن قلت: فقد كان الوجه على هذا أن لو قيل: ثم أنزل لكم من الأنعام قلت: هذه نعمة لا تفتقر لبيان أمرها إلى التنبيه بثم وليست موضع تغفل أو تخف وإنما موضع ثم حيث يراد الاعتناء والتنبيه على قدر المعطوف بها لاحتمال أن يخفى فإذا كان غير خاف وبين الاستقلال بنفسه لم يفتقر إلى هذا ومن حيث قصد معنى الامتنان كانت "جعل " أولى لما تقدم من معناها، فقد وضح ورود كل آية من الثلاث على ما يناسب المقصود من كل واحدة.
الآية الثانية: قوله تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وازقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا " وفى آية أخرى بعد: "وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزوقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ".
للسائل أن يسأل عن زيادة "واكسوهم " فى الأولى وسقوطها فى الثانية.
والجواب: ان قوله تعالى "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " إنما المراد به السفيه المتصير إليه المال بإرث ولا يحسن القيام عليه فيحجر عليه ماله إبقاء عليه ولا يمكن منه الا بقدر ما يأكله ويلبسه، فالنهى إنما هو للأوصياء ونسبة المال إليهم مجازا بما لهم فيه من التصرف والنظر، أما الآية الأخرى فليست فى شأن أحوال السفهاء وحكمها، وانما المراد بها المقتسمون لميراث يخصهم لا حق فيه لغيرهم فيحضرهم قريب فقير ويتيم محتاج ومسكين فندبوا إلى التصدق عليهم والإحسان، لا لحق هؤلاء فى المال فمن أين تلزم كسوتهم والتنصيص عليها؟ إنما ندبوا إلى الإحسان إليهم بالعفو مما يخف عليهم وسع ذلك كسوتهم أو لم يسع.