للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعل ينظر فيه، فإذا حديث عن أسباط بن نصر، فقال لي أبو زرعة: ما أبعد هذا من الصحيح، يُدخِل في كتابه أسباط بن نصر، ثم رَأَى في الكتاب قَطَنَ بن نُسَير، فقال لي: وهذا أطمُّ من الأول، قَطَن بن نُسير وَصَلَ أحاديثَ عن ثابت، جعلها عن أنس، ثم نَظَر، فقال: يروي عن أحمد بن عيسى المصري في كتابه "الصحيح"؟ قال لي أبو زرعة: ما رأيت أهل مصر يَشُكُّون في أن أحمد بن عيسى، وأشار أبو زرعة إلى لسانه كأنه يقول الكذب.

ثم قال لي: يُحَدِّث عن هؤلاء، ويترك محمد بن عجلان ونظراءه، قال: فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية، ذكرت لمسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه ذلك، فقال لي مسلم: إنما قلت: صحيح، وإنما أدخلت من حديث أسباط بن نصر، وقطن، وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهمِ، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول، فأقتَصِر على أولائك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات. انتهى ما أوردنا من الحكاية، وبعضها منقول بالمعنى، ذكرها عن الْبَرْقاني الحافظُ المتقنُ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الأَوْنَبِيّ في "كتاب المنتقى" له (١).

وهذا المعنى الذي قصدتَهُ إن عُدَّ مُخَلِّصًا بالنظر إليك فيما يلزمك التطوق به، حيث غلب على ظنك صحته، فلا يلزم غيرك ممن يَجتهد في الرجال، نعم يكون


(١) وقد استطرد ابن رُشيد رَحِمَهُ اللهُ تعالى هنا: ما نصّه:
وقرأتُ ذلك بخطه، وضَبَطَ قولَه: "إنما قلتُ: صحيح" بضم التاء على التكلم، وكَتَبَ "إنما" متصلة على أنها الحصرية، فإن صح هذا الضبط، فيكون معناه: إنما قلت: صحيح: أي صحيح عندي، ولم أقل: من هذا الطريق، فيكون في الكلام حذف، وهذا المعنى عندي فيه بُعْدٌ، والأقربُ فيما أراده: إن ما قلتَ: صحيح، بتاء الخطاب، و"ما" بمعنى الذي: أي إن الذي قلته من إنكار أبي زرعة صحيح، من أجل هؤلاء الرواة، ثم أبدى وجه العذر، وأتى بـ "إنما" التي للحصر في قوله: "وإنما أدخلتُ". انتهى كلامه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لكن الذي يظهر لي أن ضبطه بضم التاء لا بُعدَ فيه، بل هو الأولى؛ لأنه يؤيّده ما في "سؤالات البرذعي" (ص ٦٧٧) بعد أن ذُكِرَ لمسلم من أنه بإخراجه حديث قطن وأشباهه يُطرق لأهل البدع علينا، قال مسلم مُعتذرًا: إنما أخرجت هذا الكتاب، وقلت: صحاح، ولم أقل: إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيفٌ، ولكنّي إنما أخرجتُ هذا من الحديث الصحيح ليكون مجموعًا عندي، وعند من يكتبه عنّي، فلا يَرتاب في صحّتها، ولم أقُل: إن ما سواه ضعيف ... إلخ.
وهذا كما ترى يؤيّد الرواية بالضمّ، ومثله عند ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص ١٠٠). والله تعالى أعلم. راجع ما كتبه محقّق "السنن الأبين" ص (١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>